والأنعام قد تقدم الكلام عليها، والأناسي جمع إنسان على ما ذهب إليه سيبويه. وقال الفراء والمبرد والزجاج: إنه جمع إنسي، وللفراء قول آخر: إنه جمع إنسان، والأصل أناسين مثل سرحان وسراحين وبستان وبساتين، فجعلوا الباء عوضا من النون (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا) ضمير صرفناه ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل: أي كررنا أحوال الإظلال، وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر في القرآن وفي سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا (فأبى أكثرهم) إلا كفران النعمة وجحدها. وقال آخرون: إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر: أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة، فنزيد منه في بعض البلدان وننقص في بعض آخر منها، وقيل الضمير راجع إلى القرآن، وقد جرى ذكره في أول السورة حيث قال - تبارك الذي نزل الفرقان على عبده - وقوله - لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني - وقوله - اتخذوا هذا القرآن مهجورا - والمعنى: ولقد كررنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ليذكروا به ويعتبروا بما فيه، فأبى أكثرهم (إلا كفورا) به، وقيل هو راجع إلى الريح، وعلى رجوع الضمير إلى المطر، فقد اختلف في معناه، فقيل ما ذكرناه. وقيل صرفناه بينهم وابلا وطشا وطلا ورذاذا، وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات. قال عكرمة: إن المراد بقوله - فأبى أكثر الناس إلا كفورا - هو قولهم: في الأنواء مطرنا بنوء كذا. قال النحاس: ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر هنا قولهم: مطرنا بنوء كذا. وقرأ عكرمة " صرفناه " مخففا، وقرأ الباقون بالتثقيل. وقرأ حمزة والكسائي " ليذكروا " مخففة الذال من الذكر، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) أي رسولا ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم، ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيرا واحدا، وهو أنت يا محمد، فقابل ذلك بشكر النعمة (فلا تطع الكافرين) فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم، بل اجتهد في الدعوة وأثبت فيها والضمير في قوله (وجاهدهم به جهادا كبيرا) راجع إلى القرآن: أي جاهدهم بالقرآن واتل عليهم ما فيه من القوارع والزواجرات قال والأوامر والنواهي. وقيل الضمير يرجع إلى الإسلام، وقيل بالسيف، والأول أولى. وهذه السورة مكية، والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة. وقيل الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله (فلا تطع الكافرين) وقيل الضمير يرجع إلي ما دل عليه قوله - ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا - لأنه سبحانه لو بعث في كل قرية نذيرا لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها، وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات، فكبر جهاده، وعظم وصار جامعا لكل مجاهدة، ولا يخفى ما في هذين الوجهين من البعد. ثم ذكر سبحانه دليلا رابعا على التوحيد فقال (وهو الذي مرج البحرين) مرج خلى وخلط وأرسل، يقال مرجت الدابة وأمرجتها: إذا أرسلتها في المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء. قال مجاهد: أرسلهما وأفاض أحدهما إلى الاخر. وقال ابن عرفة: خلطهما فهما يلتقيان، يقال مرجته:
إذا خلطته، ومرج الدين والأمر: اختلط واضطرب، ومنه قوله - في أمر مريج - وقال الأزهري (مرج البحرين) خلى بينهما، يقال مرجت الدابة: إذا خليتها ترعى. وقال ثعلب: المرج الإجراء، فقوله (مرج البحرين) أي أجراهما. قال الأخفش: ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج، فعل وأفعل بمعنى (هذا عذب فرات) الفرات البليغ العذوبة، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف مرجهما؟ فقيل هذا عذب وهذا ملح، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال. قيل سمي الماء الحلو فراتا لأنه يفرت العطش: أي يقطعه ويكسره (وهذا ملح أجاج) أي بليغ الملوحة هذا معنى الأجاج، وقيل الأجاج البليغ في الحرارة وقيل البليغ في المرارة، وقرأ طلحة " ملح " بفتح الميم وكسر اللام (وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) البرزخ الحاجز والحائل الذي جعله الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمارج، ومعنى (حجرا محجورا) ستر مستورا