(فقد كذبوكم بما تقولون) في الكلام حذف، والتقدير: فقال الله عند تبري المعبودين مخاطبا للمشركين العابدين لغير الله فقد كذبوكم: أي فقد كذبكم المعبودون بما تقولون: أي في قولكم إنهم آلهة (فما يستطيعون) أي الآلهة (صرفا) أي دفعا للعذاب عنكم بوجه من الوجوه، وقيل حيلة (ولا نصرا) أي ولا يستطيعون نصركم، وقيل المعنى فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون صرفا للعذاب الذي عذبهم الله به ولا نصرا من الله، وهذا الوجه مستقيم على قراءة من قرأ " تستطيعون " بالفوقية وهي قراءة حفص، وقرأ الباقون بالتحتية. وقال ابن زيد: المعنى:
فقد كذبوكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا فمعنى بما تقولون:
ما تقولونه من الحق. وقال أبو عبيد: المعنى فما يستطيعون لكم صرفا عن الحق الذي هداكم الله إليه ولا نصرا لأنفسهم بما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم. وقرأ الجمهور " بما تقولون " بالتاء الفوقية على الخطاب. وحكى الفراء أنه يجوز أن يقرأ " فقد كذبوكم " مخففا بما يقولون: أي كذبوكم في قولهم وكذا قرأ بالياء التحتية مجاهد والبزي (ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا) هذا وعيد لكل ظالم ويدخل تحته الذين فيهم السياق دخولا أوليا، والعذاب الكبير عذاب النار، وقرئ " يذقه " بالتحتية، وهذه الآية وأمثالها مقيدة بعدم التوبة. ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله موضحا لبطلان ما تقدم من قوله: يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فقال (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) قال الزجاج: الجملة الواقعة بعد إلا صفة لموصوف محذوف، والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحد من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف الموصوف لأن في قوله من المرسلين دليلا عليه، نظيره - و منا إلا له مقام معلوم - أي وما منا أحد. وقال الفراء: لا محل لها من الإعراب، وإنما هي صلة لموصول محذوف هو المفعول، والتقدير: إلا من أنهم فالضمير في أنهم وما بعده راجع إلى من المقدرة، ومثله قوله تعالى - وإن منكم إلا واردها - أي إلا من يردها، وبه قرأ الكسائي. قال الزجاج: هذا خطأ لأن من الموصولة لا يجوز حذفها. وقال ابن الأنباري: إنها في محل نصب على الحال، والتقدير: إلا وأنهم، فالمحذوف عنده الواو. قرأ الجمهور " إلا إنهم " بكسر إن لوجود اللام في خبرها كما تقرر في علم النحو، وهو مجمع عليه عندهم. قال النحاس: إلا أن علي بن سليمان الأخفش حكى لنا عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال:
يجوز في إن هذه الفتح وإن كان بعدها اللام وأحسبه وهما. وقرأ الجمهور. " يمشون " بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين. وقرأ علي وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وضم الشين، المشددة، وهي بمعنى القراءة الأولى، قال الشاعر:
أمشي بأعطان المياه وأتقي * قلائص منها صعبة وركوب وقال كعب بن زهير:
منه تظل سباع الحي ضامزة * ولا تمشي بواديه الأراجيل (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) هذا الخطاب عام للناس، وقد جعل سبحانه بعض عبيدة فتنة لبعض فالصحيح فتنة للمريض والغني فتنة للفقير، وقيل المراد بالبعض الأول كفار الأمم، وبالبعض الثاني الرسل، ومعنى الفتنة الابتلاء والمحنة. والأول أولى، فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به، فالمريض يقول لم لم أجعل كالصحيح؟ وكذا كل صاحب آفة، والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره، والغني مبتلى بالفقير يواسيه، والفقير مبتلى بالغني يحسده، ونحو هذا مثله. وقيل المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال لا أسلم بعده، فيكون له على السابقة والفضل، فيقيم على كفره، فذلك افتتان