أحب إليك أم الشقاوة؟ وقيل ليس هذا من باب التفضيل، وإنما هو كقولك: عنده خير. قال النحاس: وهذا قول حسن كما قال:
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء ثم قال سبحانه (كانت لهم جزاء ومصيرا) أي كانت تلك الجنة للمتقين جزاء على أعمالهم ومصيرا يصيرون إليه (لهم فيها ما يشاؤن) أي ما يشاؤنه من النعيم وضروب الملاذ كما في قوله - ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم - وانتصاب خالدين على الحال، وقد تقدم تحقيق معنى الخلود (كان على ربك وعدا مسؤولا) أي كان ما يشاؤنه، وقيل كان الخلود، وقيل كان الوعد المدلول عليه بقوله: وعد المتقون، ومعنى الوعد المسؤول: الوعد المحقق بأن يسأل ويطلب كما في قوله - ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك - وقيل إن الملائكة تسأل لهم الجنة كقوله - وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم - وقيل المراد به الوعد الواجب وإن لم يسأل.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس أن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر ابن الحارث وأبا البحتري والأسود بن عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيه بن الحجاج ومنبه بن الحجاج اجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه، فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، قال: فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب به الشرف فنحن نسودك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك، أو قالوا: فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا، فأنزل الله في ذلك (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام - وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا) أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن شئت أعطيناك من خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ولا نعطها أحدا بعدك ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئا، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة، فقال: اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله سبحانه (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا). وأخرج نحوه عنه ابن مردويه من طريق أخرى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال: قال النبي صلى الله عليه