فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع. وقرئ بالنصب. وقرئ بإدغام لام لك في لام يجعل لاجتماع المثلين.
وقرئ بترك الإدغام لان الكلمتين منفصلتان، والقصر البيت من الحجارة، لأن الساكن به مقصور عن أن يوصل إليه، وقيل هو بيت الطين وبيوت الصوف والشعر. ثم أضرب سبحانه عن توبيخهم بما حكاه عنهم من الكلام الذي لا يصدر عن العقلاء فقال (بل كذبوا بالساعة) أي بل أتوا بأعجب من ذلك كله. وهو تكذيبهم بالساعة، فلهذا لا ينتفعون بالدلائل ولا يتأملون فيها. ثم ذكر سبحانه ما أعده لمن كذب بالساعة فقال (واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) أي نارا مشتعلة متسعرة، والجملة في محل نصب على الحال: أي بل كذبوا بالساعة، والحال أنا اعتدنا. قال أبو مسلم: اعتدنا: أي جعلناه عتيدا ومعدا لهم (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) هذه الجملة الشرطية في محل نصب صفة لسعيرا لأنه مؤنث بمعنى النار، قيل معنى إذا رأتهم: إذا ظهرت لهم فكانت بمرأى الناظر في البعد، وقيل المعنى: إذا رأتهم خزنتها، وقيل إن الرؤية منها حقيقية وكذلك التغيظ والزفير، ولا مانع من أن يجعلها الله سبحانه مدركة هذا الإدراك. ومعنى (من مكان بعيد) أنها رأتهم وهي بعيدة عنهم، قيل بينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام. ومعنى التغيظ: أن لها صوتا يدل على التغيظ على الكفار أو لغليانها صوتا يشبه صوت المغتاظ. والزفير: هو الصوت الذي يسمع من الجوف. قال الزجاج: المراد سماع ما يدل على الغيظ وهو الصوت: أي سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ. وقال قطرب: أراد علموا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا كما قال الشاعر: * متقلدا سيفا ورمحا * أي وحاملا رمحا، وقيل المعنى: سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين كما قال - لهم فيها زفير وشهيق - وفي اللام متقاربان، تقول: افعل هذا في الله ولله (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا) وصف المكان بالضيق للدلالة على زيادة الشدة وتناهي البلاء عليهم، وانتصاب (مقرنين) على الحال:
أي إذا ألقوا منها مكانا ضيقا حال كونهم مقرنين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامع مصفدين بالحديد، وقيل مكتفين، وقيل قرنوا مع الشياطين: أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه، وقد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة إبراهيم (دعوا هنالك) أي في ذلك المكان الضيق (ثبورا) أي هلاكا. قال الزجاج: وانتصابه على المصدرية: أي ثبرنا ثبورا، وقيل منتصب على أنه مفعول له، والمعنى: أنهم يتمنون هنالك الهلاك وينادونه لما حل بهم من البلاء، فأجيب عليهم بقوله (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا) أي فيقال لهم هذه المقالة، والقائل لهم هم الملائكة: أي اتركوا دعاء ثبور واحد، فإن ما أنتم فيه من الهلاك أكبر من ذلك وأعظم، كذا قال الزجاج (وادعوا ثبور كثيرا) والثبور مصدر يقع على القليل والكثير فلهذا لم يجمع، ومثله ضربته ضربا كثيرا، وقعد قعودا طويلا، فالكثرة ها هنا هي بحسب كثرة الدعاء المتعلق به، لا بحسب كثرته في نفسه، فإنه شئ واحد.
والمعنى: لا تدعو ا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة، فإن ما أنتم فيه من العذاب أشد من ذلك لطول مدته وعدم تناهيه، وقيل هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول، وقيل إن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا بل هو ثبور كثير لأن العذاب أنواع، والأولى أن المراد بهذا الجواب عليهم الدلالة على خلود عذابهم وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك المنجي لهم مما هم فيه.
ثم وبخهم الله سبحانه توبيخا بالغا على لسان رسوله فقال (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون) والإشارة بقوله ذلك إلى السعير المتصفة بتلك الصفات العظيمة: أي تلك السعير خير أم جنة الخلد، وفي إضافة الجنة إلى الخلد إشعار بدوام نعيمها وعدم انقطاعه، ومعنى (التي وعد المتقون) التي وعدها المتقون، والمجيء بلفظ خير هنا مع أنه لا خير في النار أصلا، لأن العرب قد تقول ذلك، ومنه ما حكاه سيبويه عنهم أنهم يقولون: السعادة