أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل المراد تشاورهم في كل أمر يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم على بعض برأي، وما أحسن ما قاله بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن * برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تجعل الشورى عليك غضاضة * فريش الخوافي قوة للقوادم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشاور أصحابه في أموره وأمره الله سبحانه بذلك فقال " وشاورهم في الأمر " وقد قدمنا في آل عمران كلاما في الشورى (ومما رزقناهم ينفقون) أي ينفقونه في سبيل الخير ويتصدقون به على المحاويج. ثم ذكر سبحانه الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها فقال (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) أي أصابهم بغي من بغى عليهم بغير الحق، ذكر سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح لأن التذلل لمن بغى ليس من صفات من جعل الله له العزة حيث قال - العزة لله ولرسوله وللمؤمنين - فالانتصار عند البغي فضيلة، كما أن العفو عند الغضب فضيلة. قال النخعي:
كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء، ولكن هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له وعدم مجاوزته كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فبين سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة، وظاهر هذا العموم. وقال مقاتل والشافعي وأبو حنيفة وسفيان: إن هذا خاص بالمجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره. وقال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله يقول أخزاك الله من غير أن يعتدي، وتسمية الجزاء سيئة إما لكونها تسوء من وقعت عليه أو على طريق المشاكلة لتشابههما في الصورة. ثم لما بين سبحانه أن جزاء السيئة بمثلها حق جائز بين فضيلة العفو فقال (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) أي من عفا عمن ظلمه وأصلح بالعفو بينه وبين ظالمه: أي أن الله سبحانه يأجره على ذلك، وأبهم الأجر تعظيما لشأنه وتنبيها على جلالته. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة، وقد بينا هذا في سورة آل عمران. ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هي سبب الفوز والنجاة فقال (إنه لا يحب الظالمين) أي المبتدئين بالظلم قال مقاتل: يعني من يبدأ بالظلم، وبه قال سعيد بن جبير. وقيل لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد فيه لأن المجاوزة ظلم (ولم انتصر بعد ظلمه) مصدر مضاف إلى المفعول: أي بعد أن ظلمه الظالم له، واللام هي لام الابتداء. وقال ابن عطية: هي لام القسم، والأول أولى. ومن هي الشرطية وجوابه (فأولئك ما عليهم من سبيل) بمؤاخذة وعقوبة، ويجوز أن تكون من هي الموصولة ودخلت الفاء في جوابها تشبيها للموصولة بالشرطية، والأول أولى. ولما نفى سبحانه السبيل على من انتصر بعد ظلمه بين من عليه السبيل فقال (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) أي يتعدون عليهم ابتداء كذا قال الأكثر. وقال ابن جريج: أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم (ويبغون في الأرض بغير الحق) أي يعلمون في النفوس والأموال بغير الحق كذا قال الأكثر. وقال مقاتل: بغيهم عملهم بالمعاصي، وقيل يتكبرون ويتجبرون. وقال أبو مالك: هو ما يرجوه أهل مكة أن يكون بمكة غير الإسلام دينا، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الذين يظلمون الناس وهو مبتدأ، وخبره (لهم عذاب أليم) أي لهم بهذا السبب عذاب شديد الألم. ثم رغب سبحانه في الصبر والعفو فقال (ولمن صبر وغفر) أي صبر على الأذى وغفر لمن ظلمه ولم ينتصر، والكلام في هذه اللام ومن كالكلام في ولمن انتصر (إن ذلك) الصبر والمغفرة (لمن عزم الأمور) أي أن ذلك منه فحذف لظهوره، كما في قولهم * السمن منوان بدرهم * قال مقاتل:
من الأمور التي أمر الله بها. وقال الزجاج: الصابر يؤتى بصبره ثوابا، فالرغبة في الثواب أتم عزما. قال ابن زيد: