إن هذا كله منسوخ بالجهاد وأنه خاص بالمشركين. وقال قتادة: إنه عام، وهو ظاهر النظم القرآني (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده) أي فماله من أحد يلي هدايته وينصره، وظاهر الآية العموم، وقيل هي خاصة بمن أعرض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعمل بما دعاه إليه من الإيمان بالله والعمل بما شرعه، والأول أولى.
وقد أخرج أحمد وابن راهويه وابن منيع وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن علي بن أبي طالب قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا، فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، وقرأ (وما أصابكم) الآية ". وأخرج عبد بن حميد وأبن أبي الدنيا في الكفارات وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين أنه دخل عليه بعض أصحابه، وكان قد ابتلي في جسده، فقال: إنا لنبتئس لك لما نرى فيك، قال: فلا تبتئس لما ترى، فإن ما ترى بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، ثم تلا هذه الآية (وما أصابكم من مصيبة) إلى آخرها. وأخرج أحمد عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " ما من شئ يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته ". وأخرج ابن مردويه عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما عثرة قدم ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر ". وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله (فيظللن رواكد على ظهره) قال: يتحركن ولا يجرين في البحر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: رواكد قال:
وقوفا (أو يوبقهن) قال: يهلكهن. وأخرج النسائي وابن ماجة وابن مردويه عن عائشة قالت " دخلت علي زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبلت علي فسبتني، فردعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم تنته، فقال لي: سبيها، فسببتها حتى جف ريقها في فمها، ووجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل سرورا ". وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " المستبان ما قالا من شئ فعلى البادئ حتى يعتدي المظلوم " ثم قرأ (وجزاء سيئة سيئة مثلها). وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجر، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا " وذلك قوله (فمن عفا وأصلح فأجره على الله). وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ينادي مناد من كل له أجر على الله فليدخل الجنة مرتين، فيقوم من عفا عن أخيه، قال الله (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) ".