(والذي أوحينا إليك) من القرآن وشرائع الإسلام والبراءة من الشرك، والتعبير عنه بالموصول لتفخيم شأنه، وخص ما شرعه لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالإيحاء مع كون ما بعده وما قبله مذكورا بالتوصية للتصريح برسالته (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) مما تطابقت عليه الشرائع. ثم بين ما وصى به هؤلاء فقال (أن أقيموا الدين) أي توحيد الله والإيمان به وطاعة رسله وقبول شرائعه، وأن هي المصدرية، وهي وما بعدها في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، كأنه قيل ما ذلك الذي شرعه الله؟ فقيل هو إقامة الدين، أو هي في محل نصب بدلا من الموصول، أو في محل جر بدلا من الدين، أو هي المفسرة، لأنه قد تقدمها ما فيه معنى القول. قال مقاتل: يعني أنه شرع لكم ولمن قبلكم من الأنبياء دينا واحدا. قال مقاتل: يعنى التوحيد. قال مجاهد: لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم. وقال قتادة: يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام، وخص إبراهيم وموسى وعيسى بالذكر مع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم أرباب الشرائع. ثم لما أمرهم سبحانه بإقامة الدين، نهاهم عن الاختلاف فيه فقال (ولا تتفرقوا فيه) أي لا تختلفوا في التوحيد والإيمان بالله وطاعة رسله وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها، وليس من هذا فروع المسائل التي تختلف فيها الأدلة وتتعارض فيها الأمارات وتتباين فيها الأفهام، فإنها من مطارح الاجتهاد ومواطن الخلاف. ثم ذكر سبحانه أن ما شرعه من الدين شق على المشركين فقال (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) أي عظم وشق عليهم ما تدعوهم إليه من لتوحيد ورفض الأوثان. قال قتادة: كبر على المشركين واشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وحده وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها ويظفرها هذا على من ناوأها. ثم خص أولياءه فقال (الله يجتبي إليه من يشاء) أي يختار والاجتباء الاختيار، والمعنى: يختار لتوحيده والدخول في دينه من يشاء من عباده (ويهدي إليه من ينيب) أي يوفق لدينه ويستخلص لعبادته من يرجع إلى طاعته ويقبل إلى عبادته. ثم لما ذكر سبحانه ما شرعه لهم من إقامة الدين وعدم التفرق فيه ذكر ما وقع من التفرق الاختلاف فقال (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم) أي ما تفرقوا إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة، ففعلوا ذلك التفرق للبغي بينهم بطلب الرياسة وشدة الحمية، قيل المراد قريش هم الذين تفرقوا بعد ما جاءهم العلم، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم (بغيا) منهم عليه، وقد كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم بقوله - وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير - الآية، وبقوله - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به - وقيل المراد أمم الأنبياء المتقدمين، وأنهم فيما (بينهم) اختلفوا لما طال بهم المدى فآمن قوم وكفر قوم، وقيل اليهود والنصارى خاصة كما في قوله - وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة - (ولولا كلمة سبقت من ربك) وهي تأخير العقوبة (إلى أجل مسمى) وهو يوم القيامة كما في قوله - والساعة موعدهم - وقيل إلى الأجل الذي قضاه الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر والذل والقهر (لقضى بينهم) أي لوقع القضاء بينهم بإنزال العقوبة بهم معجلة، وقيل لقضى بين من آمن منهم ومن كفر بنزول العذاب بالكافرين ونجاة المؤمنين (وإن الذين أورثوا الكتاب) من اليهود والنصارى (من بعدهم) من بعد من قبلهم من اليهود والنصارى (لفي شك منه) أي من القرآن، أو من محمد (مريب) موقع في الريب ولذلك لم يؤمنوا. وقال مجاهد: معنى من بعدهم من قبلهم: يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى. وقيل المراد كفار المشركين من العرب الذين أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم، وصفهم بأنه في شك من القرآن مريب. قرأ الجمهور " أورثوا " وقرأ زيد بن علي " ورثوا " بالتشديد (فلذلك فادع واستقم) أي فلأجل ما ذكر
(٥٣٠)