نكرة، ووجه قوله هذا أن إضافتها لفظية، ولكنه يجوز أن تجعل إضافتها معنوية كما قال سيبويه أن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة. وأما الكوفيون فلم يستثنوا شيئا بل جعلوا الصفة المشبهة كاسم الفاعل في جواز جعلها إضافة محضة، وذلك حيث لا يراد بها زمان مخصوص، فيجوزون في شديد هنا أن تكون إضافته محضة. وعلى قول سيبويه لا بد من تأويله بمشدد. وقال الزجاج: إن هذه الصفات الثلاث مخفوضة على البدل. وروي عنه أنه جعل غافر وقابل مخفوضين على الوصف وشديد مخفوض على البدل والمعنى: غافر الذنب لأوليائه وقابل توبتهم وشديد العقاب لأعدائه، والتوب مصدر بمعنى التوبة من تاب يتوب توبة وتوبا، وقيل هو جمع توبة، وقيل غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله، وقابل التوب من الشرك، وشديد العقاب لمن لا يوحده، وقوله (ذي الطول) يجوز أن يكون صفة، لأنه معرفة وأن يكون بدلا، وأصل الطول الإنعام والتفضل: أي ذي الإنعام على عباده والتفضل عليهم. وقال مجاهد: ذي الغنى والسعة. ومنه قوله - ومن لم يستطع منكم طولا - أي غنى وسعة، وقال عكرمة: ذي الطول ذي المن. قال الجوهري: والطول بالفتح المن يقال منه طال عليه ويطول عليه إذا أمتن عليه. وقال محمد بن كعب: ذي الطول ذي التفضل. قال الماوردي:
والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب، والتفضل إحسان غير مستحق. ثم ذكر ما يدل على توحيده وأنه الحقيق بالعبادة فقال (لا إله إلا هو إليه المصير) لا إلى غيره، وذلك في اليوم الآخر. ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) أي ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا، والمراد الجدال بالباطل والقصد إلى دحض الحق كما في قوله - وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق - فأما الجدال لاستيضاح الحق ورفع اللبس والبحث عن الراجح والمرجوح وعن المحكم والمتشابه ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن، وردهم بالجدال إلى المحكم فهو من أعظم ما يتقرب المتقربون، وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال - وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه - وقال - إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون - وقال - ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن - (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) لما حكم سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، نهى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يغتر بشئ من حظوظهم الدنيوية فقال: فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة في البلاد وما يحصلونه من الأرباح ويجمعونه من الأموال فإنهم معاقبون عما قليل وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون. قال الزجاج: لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم، فإن عاقبتهم الهلاك. قرأ الجمهور " لا يغررك " بفك الإدغام. وقرأ زيد ابن علي وعبيد بن عمير بالإدغام. ثم بين حال من كان قبلهم، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك في التكذيب فقال (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) الضمير في من بعدهم يرجع إلى قوم نوح: أي وكذبت الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد وثمود (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) أي همت كل أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذي أرسل إليهم ليأخذوه ليتمكنوا منه فيحبسوه ويعذبوه ويصيبوا منه ما أرادوا. وقال قتادة والسدي: ليقتلوه، والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك، كقوله - فأخذتهم فكيف كان نكير - والعرب تسمي الأسير الأخيذ (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) أي خاصموا رسولهم بالباطل من القول ليدحضوا به الحق ليزيلوه، ومنه مكان دحض: أي مزلقة ومزلة أقدام، والباطل داحض لأنه يزلق ويزول فلا يستقر. قال يحيى ابن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان (فأخذتهم فكيف كان عقاب) أي فأخذت هؤلاء المجادلين