أزف الترحل غير أن ركابنا * لما تزل بركابنا وكأن قد ومنه قوله تعالى - أزفة الآزفة - أي قربت الساعة، وقيل إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت، والأول أولى. قال الزجاج: وقيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس أمرها، وما هو كائن فهو قريب (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله - وبلغت القلوب الحناجر - (كاظمين) مغمومين مكروبين ممتلئين غما. قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم. قال قتادة: وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة، فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها. وقيل هو إخبار عن نهاية الجزع، وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب، لأن المعنى: إذ قلوب الناس لدى حناجرهم، فيكون حالا منهم. وقيل حالا من القلوب، وجمع الحال منها جمع العقلاء لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء، فجمعت جمعه. ثم بين سبحانه أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد فقال (ما للظالمين من حميم) أي قريب ينفعهم (ولا شفيع يطاع) في شفاعته لهم، ومحل يطاع الجر على أنه صفة لشفيع. ثم وصف سبحانه شمول علمه لكل شئ وإن كان في غاية الخفاء فقال (يعلم خائنة الأعين) وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، والجملة خبر آخر لقوله (هو الذي يريكم) قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير: أي يعلم الأعين الخائنة. وقال قتادة: خائنة الأعين: الهمز بالعين فيما لا يحب الله. وقال الضحاك: هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى، ورأيت وما رأى. وقال سفيان:
هي النظرة بعد النظرة. والأول أولى، وبه قال مجاهد (وما تخفي الصدور) من الضمائر وتسره من معاصي الله (والله يقضي بالحق) فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير وشر (والذين تدعون من دونه) أي تعبدونهم من دون الله (لا يقضون بشئ) لأنهم لا يعلمون شيئا ولا يقدرون على شئ. قرأ الجمهور " يدعون " بالتحتية يعني الظالمين، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ نافع وشيبة وهشام بالفوقية على الخطاب لهم (إن الله هو السميع البصير) فلا يخفى عليه من المسموعات والمبصرات خافية.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) قال: هي مثل التي في البقرة - كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم - كانوا أمواتا في صلب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم أماتهم ثم يحييهم بعد الموت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فهما موتتان وحياتان كقوله - كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم - الآية. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله (يوم التلاق) قال:
يوم القيامة يلتقي فيه آدم وآخر ولده. وأخرج عنه أيضا قال: (يوم التلاق) يوم الأزفة، ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية عنه أيضا قال: ينادي مناد بين يدي الساعة: يا أيها الناس أتتكم الساعة، فيسمعها الأحياء والأموات، وينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). وأخرج ابن أبي الدنيا في البعث والديلمي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال " يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط، فأول ما يتكلم أن ينادي مناد - لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب - فأول ما يبدأ به من الخصومات الدماء ". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في