أي بل أمن هو قانت كالكافر، وأما على القراءة الثانية فقيل الهمزة للاستفهام دخلت على من، والاستفهام للتقرير ومقابله محذوف: أي أمن هو قانت كمن كفر. وقال الفراء: إن الهمزة في هذه القراءة للنداء ومن منادى، وهي عبارة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المأمور بقوله " قل تمتع " والتقدير: يا من هو قانت، قل كيت وكيت، وقيل التقدير: يا من هو قانت إنك من أصحاب الجنة. ومن القائلين بأن الهمزة للنداء الفراء، وضعف ذلك أبو حيان، وقال: هو أجنبي عما قبله وعما بعده، وقد سبقه إلى هذا التضعيف أبو علي الفارسي، واعترض على هذه القراءة من أصلها أبو حاتم والأخفش ولا وجه لذلك فإنا إذا ثبتت الرواية بطلت الدراية.
وقد اختلف في تفسير القانت هنا فقيل المطيع، وقيل الخاشع في صلاته، وقيل القائم في صلاته، وقيل الداعي لربه. قال النحاس: أصل القنوت الطاعة، فكل ما قيل فيه فهو داخل في الطاعة، والمراد بآناء الليل ساعاته، وقيل جوفه، وقيل ما بين المغرب والعشاء، وانتصاب (ساجدا وقائما) على الحال أي جامعا بين السجود والقيام، وقدم السجود على القيام لكونه أدخل في العبادة، ومحل (يحذر الآخرة) بالنصب على الحال أيضا:
أي يحذر عذاب الآخرة قاله سعيد بن جبير ومقاتل (ويرجو رحمة ربه) فيجمع بين الرجاء والخوف، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز. قيل وفي الكلام حذف، والتقدير: كمن لا يفعل شيئا من ذلك كما يدل عليه السياق. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم قولا آخر يتبين به الحق من الباطل فقال (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) أي الذين يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق والذين لا يعلمون ذلك، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد العلماء والجهال ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل. قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقيل المراد بالذين يعلمون: هم العاملون بعلمهم فإنهم المنتفعون به، لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم (إنما يتذكر أولوا الألباب) أي إنما يتعظ ويتدبر ويتفكر أصحاب العقول، وهم المؤمنون لا الكفار، فإنهم وإن زعموا أن لهم عقولا فهي كالعدم وهذه الجملة ليست من جملة الكلام المأمور به بل من جهة الله سبحانه (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم) لما نفى سبحانه المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم، وبين أنه (إنما يتذكر أولوا الألباب) أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه والإيمان به. والمعنى: يا أيها الذين صدقوا بتوحيد الله اتقوا ربكم بطاعته، واجتناب معاصيه، وإخلاص الإيمان له، ونفي الشركاء عنه، والمراد قل لهم قولي هذا بعينه. ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى بين لهم ما في هذه التقوى من الفوائد فقال (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) أي للذين عملوا الأعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الإخلاص حسنة عظيمة وهي الجنة، وقوله (في هذه الدنيا) متعلق بأحسنوا، وقيل هو متعلق بحسنة على أنه بيان لمكانها، فيكون المعنى: للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة والعافية والظفر والغنيمة، والأول أولى. ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات والإحسان في وطنه أرشد الله سبحانه من كان كذلك إلى الهجرة فقال (وأرض الله واسعة) أي فليهاجر إلى حيث يمكنه طاعة الله. والعمل بما أمر به، والترك لما نهى عنه، ومثل ذلك قوله سبحانه - ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها - وقد مضى الكلام في الهجرة مستوفى في سورة النساء، وقيل المراد بالأرض هنا: أرض الجنة، رغبهم في سعتها وسعة نعيمها كما في قوله - جنة عرضها السماوات والأرض - والأول أولى. ثم لما بين سبحانه ما للمحسنين إذا أحسنوا، وكان