أي مرجوم بالكواكب مطرود من كل خير (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) أي طردي لك عن الرحمة وإبعادي لك منها، ويوم الدين يوم الجزاء، فأخبر سبحانه وتعالى أن تلك اللعنة مستمرة له دائمة عليه ما دامت الدنيا، ثم في الآخرة يلقى من أنواع عذاب الله وعقوبته وسخطه ما هو به حقيق، وليس المراد أن اللعنة تزول عنه في الآخرة، بل هو ملعون أبدا، ولكن لما كان له في الآخرة ما ينسى عنده اللعنة ويذهل عند الوقوع فيه منها صارت كأنها لم تكن بجنب ما يكون فيه، وجملة (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) مستأنفة كما تقدم فيما قبلها: أي أمهلني ولا تعاجلني إلى غاية هي يوم يبعثون: يعني آدم وذريته (قال فإنك من المنظرين) أي الممهلين (إلى يوم الوقت المعلوم) الذي قدره الله لفناء الخلائق، وهو عند النفخة الآخرة، وقيل هو النفخة الأولى. قيل إنما طلب إبليس الإنظار إلى يوم البعث ليتخلص من الموت، لأنه إذا أنظر إلى يوم البعث لم يمت قبل البعث، وعند مجيء البعث لا يموت، فحينئذ يتخلص من الموت. فأجيب بما يبطل مراده، وينقض عليه مقصده، وهو الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو الذي يعلمه الله ولا يعلمه غيره، فلما سمع اللعين إنظار الله له إلى ذلك الوقت (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) فأقسم بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات لهم، وإدخال الشبه عليهم حتى يصيروا غاوين جميعا. ثم لما علم أن كيده لا ينجع إلا في أتباعه وأحزابه من أهل الكفر والمعاصي، استثنى من لا يقدر على إضلاله ولا يجد السبيل إلى إغوائه فقال (إلا عبادك منهم المخلصين) أي الذين أخلصتهم لطاعتك وعصمتهم من الشيطان الرجيم وقد تقدم تفسير هذه الآيات في سورة الحجر وغيرها. وقد أقسم ها هنا بعزة الله، وأقسم في موضع آخر بقوله - فبما أغويتني - ولا تنافي بين القسمين فإن إغواءه إياه من آثار عزته سبحانه وجملة (قال فالحق والحق أقول) مستأنفة كالجمل التي قبلها. قرأ الجمهور بنصب الحق في الموضعين على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب، أو هما منصوبان على الإغراء: أي الزموا الحق، أو مصدران مؤكدان لمضمون قوله (لأملأن جهنم) وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش وعاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني، فرفع الأول على أنه مبتدأ وخبره مقدر:
أي فالحق مني، أو فالحق أنا، أو خبره لأملأن، أو هو خبر مبتدأ محذوف، وأما نصب الثاني فبالفعل المذكور بعده: أي وأنا أقول الحق، وأجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون منصوبا بمعنى حقا لأملأن جهنم. واعترض عليهما بأن ما بعد اللام مقطوع عما قبلها. وروي عن سيبويه والفراء أيضا أن المعنى: فالحق أن إملاء جهنم. وروي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قرآ برفعها، فرفع الأول على ما تقدم، ورفع الثاني بالابتداء، وخبره الجملة المذكورة بعده، والعائد محذوف. وقرأ ابن السميفع وطلحة بن مصرف بخفضهما على تقدير حرف القسم. قال الفراء: كما يقول الله عز وجل لأفعلن كذا، وغلطه أبو العباس ثعلب وقال: لا يجوز الخفض بحرف مضمر، وجملة (لأملأن جهنم) جواب القسم على قراءة الجمهور، وجملة (والحق أقول) معترضة بين القسم وجوابه، ومعنى (منك) أي من جنسك من الشياطين (وممن تبعك منهم) أي من ذرية آدم فأطاعوك إذ دعوتهم إلى الضلال والغواية و (أجمعين) تأكيد للمعطوف والمعطوف عليه: أي لأملأنها من الشياطين وأتباعهم أجمعين. ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم بأنه إنما يريد بالدعوة إلى الله امتثال أمره لا عرض الدنيا الزائل، فقال (قل ما أسألكم عليه من أجر) والضمير في عليه راجع إلى تبليغ الوحي ولم يتقدم له ذكر، ولكنه مفهوم من السياق. وقيل هو عائد إلى ما تقدم من قوله - أأنزل عنه عليه الذكر من بيننا - وقيل الضمير راجع إلى القرآن، وقيل إلى الدعاء إلى الله على العموم، فيشمل القرآن وغيره من الوحي ومن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والمعنى ما أطلب منكم من جعل تعطونيه عليه (وما أنا من المتكلفين) حتى أقول ما لا أعلم إذ أدعوكم إلى غير ما أمرني الله بالدعوة إليه،