الصاد، فقيل هو جمع نصب بفتحتين نحو أسد وأسد، وقيل هو لغة في النصب، نحو رشد ورشد. وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة وحفص ونافع في رواية عنه بضمتين، ورويت هذه القراءة عن الحسن. وقرأ أبو حيوة ويعقوب وحفص في رواية بفتح وسكون، وهذه القراءات كلها بمعنى واحد، وإنما اختلفت القراءات باختلاف اللغات. وقال أبو عبيدة: إن النصب بفتحتين: التعب والإعياء، وعلى بقية القراءات الشر والبلاء، ومعنى قوله (وعذاب) أي ألم. قال قتادة ومقاتل: النصب في الجسد، والعذاب في المال. قال النحاس وفيه بعد كذا قال. والأولى تفسير النصب بالمعنى اللغوي وهو التعب والإعياء، وتفسير العذاب بما يصدق عليه مسمى العذاب وهو الألم، وكلاهما راجع إلى البدن (اركض برجلك) هو بتقدير القول: أي قلنا له: اركض برجلك كذا قال الكسائي: والركض الدفع بالرجل، يقال ركض الدابة برجله: إذا ضربها بها. وقال المبرد: الركض التحريك. قال الأصمعي: يقال ركضت الدابة، ولا يقال ركضت هي، لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه، ولا فعل لها في ذلك، وحكى سيبويه: ركضت الدابة فركضت، مثل جبرت العظم فجبر (هذا مغتسل بارد وشراب) هذا أيضا من مقول القول المقدر: المغتسل هو الماء الذي يغتسل به، والشراب الذي يشرب منه.
وقيل إن المغتسل هو المكان الذي يغتسل فيه. قال قتادة: هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية فاغتسل من إحداهما فأذهب الله ظاهر دائه، وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه، وكذا قال الحسن. وقال مقاتل:
نبعث عين جارية فاغتسل فيها فخرج صحيحا، ثم نبعث عين أخرى فشرب منها ماء عذبا باردا. وفي الكلام حذف، والتقدير: فركض برجله فنبعت عين، فقلنا له هذا مغتسل الخ، وأسند المس إلى الشيطان مع أن الله سبحانه هو الذي مسه بذلك: إما لكونه لما عمل بوسوسته عوقب على ذلك بذلك النصب والعذاب. فقد قيل إنه أعجب بكثرة ماله، وقيل استغاثة مظلوم فلم يغثه، وقيل إنه قال ذلك على طريقة الأدب، وقيل إنه قال ذلك لأن الشيطان وسوس إلى أتباعه فرفضوه وأخرجوه من ديارهم، وقيل المراد به ما كان يوسوسه الشيطان إليه حال مرضه وابتلائه من تحسين الجزع وعدم الصبر على المصيبة، وقيل غير ذلك. وقوله (ووهبنا له أهله) معطوف على مقدر كأنه قيل: فاغتسل وشرب، فكشفنا بذلك ما به من ضر ووهبنا له أهله. قيل أحياهم الله بعد أن أماتهم:
وقيل جمعهم بعد تفرقهم، وقيل غيرهم مثلهم، ثم زاده مثلهم معهم، وهو معنى قوله (ومثلهم معهم) فكانوا مثل ما كانوا من قبل ابتلائه، وانتصاب قوله (رحمة منا وذكرى لأولي الألباب) على أنه مفعول لأجله: أي وهبنا هم له لأجل رحمتنا إياه، وليتذكر بحاله أولو الألباب فيصبروا على الشدائد كما صبر، وقد تقدم في سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى فلا نعيده (وخذ بيدك ضغثا) معطوف على اركض، أو على وهبنا. أو التقدير وقلنا له (خذ بيدك ضغثا) والضغث: عثكال النخل بشماريخه، وقيل هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها وقيل الحزمة الكبيرة من القضبان وأصل المادة تدل على جمع المختلطات. قال الواحدي: الضغث ملء الكف من الشجر والحشيش والشماريخ (فاضرب به ولا تحنث) أي اضرب بذلك الضغث ولا تحنث في يمينك، والحنث: الإثم، ويطلق على فعل ما حلف على تركه، وكان أيوب قد حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة.
واختلف في سبب ذلك، فقال سعيد بن المسيب إنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها. وقال يحيى بن سلام وغيره: إن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه، فإنه إذا فعل ذلك بريء، فحلف ليضربنها إن عوفي مائة جلدة. وقيل باعت ذؤابتها برغيفين إذ لم تجد شيئا