وقد أخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن الشيطان عرج إلى السماء، فقال: يا رب سلطني على أيوب، قال الله: لقد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده، فقال لهم: قد سلطت على أيوب فأروني سلطانكم، فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء، فبينما هم في المشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق. فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقته؟ ثم جاء صاحب الإبل، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوا فذهب بها؟ ثم جاء صاحب البقر فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوا فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب الغنم فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها؟
وتفرد هو لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم؟ فقال له أيوب: فأين كنت؟ قال: كنت معهم، قال: فكيف انفلت؟ قال: انفلت، قال أيوب:
أنت الشيطان، ثم قال أيوب أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام فحلق رأسه وقام يصلي، فرن إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض، ثم عرج إلى السماء فقال: أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه، فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدمه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة وألقى على الرماد حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعي عليه، حتى قالت له:
ألا ترى يا أيوب قد نزل والله بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك كنا في النعيم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاما، فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل يوما فدعا بيده، ثم قال قم، فقام فنحاه عن مكانه وقال: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله فنبعت عين، فقال اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضا فقال: اركض برجلك فنبعت عين أخرى فقال له اشرب منها، وهو قوله (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ها هنا؟ لعل الكلاب قد ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي، ورد عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم، وأمطر عليه جرادا من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه وينشر كساءه ويأخذه فيجعل فيه، فأوحى الله إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك.
وفي هذا نكارة شديدة، فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبي من أنبيائه ويسلط عليه هذا التسليط العظيم.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن إبليس قعد على الطريق وأخذ تابوتا يداوي الناس، فقالت امرأة أيوب: يا عبد الله إن ها هنا مبتلى من أمره كذا وكذا فهل لك أن تداويه قال: نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غيره. فأتت أيوب فذكرت له ذلك، فقال:
ويحك ذاك الشيطان، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضربها به، فأخذ عذقا فيه مائة شمراخ فضربها به ضربة واحدة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله (وخذ بيدك ضغثا) قال: هو الأسل. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال: الضغث القبضة من المرعى الرطب. وأخرج ابن