تسمية أحدهما بالآخر. وقيل المعنى للسجود راكعا: أي مصليا. وقيل بل كان ركوعهم سجودا، وقيل بل كان سجودهم ركوعا (وأناب) أي رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه.
وقد اختلف المفسرون في ذنب داود الذي استغفر له وتاب عنه على أقوال: الأول أنه نظر إلى امرأة الرجل التي أراد أن تكون زوجة له، كذا قال سعيد بن جبير وغيره. قال الزجاج: ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها، وصارت الأولى له والثانية عليه. القول الثاني أنه أرسل زوجها في جملة الغزاة. الثالث أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها. الرابع أن أوريا كان خطب تلك المرأة فلما غاب خطبها داود فزوجت منه لجلالته فاغتم لذلك أوريا، فعتب الله عليه حيث لم يتركها لخاطبها. الخامس أنه لم يجزع على قتل أوريا كما كان يجزع على من هلك من الجند، ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك، لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة. السادس أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر كما قدمنا.
وأقول: الظاهر من الخصومة التي وقعت بين الملكين تعريضا لداود عليه السلام أنه طلب من زوج المرأة الواحدة أن ينزل له عنها ويضمها إلى نسائه، ولا ينافي هذا العصمة الكائنة للأنبياء، فقد نبهه الله على ذلك وعرض له بإرسال ملائكته إليه ليتخاصموا في مثل قصته حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه فاستغفر وتاب. وقد قال سبحانه - وعصى آدم ربه فغوى - وهو أبو البشر وأول الأنبياء، ووقع لغيره من الأنبياء ما قصه الله علينا في كتابه. ثم أخبر سبحانه أنه قبل استغفاره وتوبته قال (فغفرنا له ذلك) أي ذلك الذنب الذي استغفر منه. قال عطاء الخراساني وغيره: إن داود بقي ساجدا أربعين يوما حتى نبت الرعى حول وجهه وغمر رأسه. قال ابن الأنباري: الوقف على قوله (فغفرنا له ذلك) تام، ثم يبتدئ الكلام بقوله (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) الزلفى: القربة والكرامة بعد المغفرة لذنبه. قال مجاهد: الزلفى الدنو من الله عز وجل يوم القيامة، والمراد بحسن المآب: حسن المرجع وهو الجنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (مالها من فواق) قال: من رجعة. (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا) قال: سألوا الله أن يعجل لهم. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الزبير ابن عدي عنه (عجل لنا قطنا) قال: نصيبنا من الجنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله (ذا الأيد) قال: القوة.
وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: الأواب المسبح. وأخرج الديلمي عن مجاهد قال: سألت ابن عمر عن الأواب فقال سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه فقال: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله. وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عباس قال: الأواب الموقن. وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد عن عطاء الخراساني عنه قال:
لم يزل في نفسي من صلاة الضحى حتى قرأت هذه الآية (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق). وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا قال: لقد أتى علي زمان وما أدرى وجه هذه الآية (يسبحن بالعشي والإشراق) حتى رأيت الناس يصلون الضحى. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه قال: كنت أمر بهذه الآية (يسبحن بالعشي والإشراق) فما أدري ما هي؟ حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها يوم الفتح، فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى، ثم قال: يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من وجه آخر عنه نحوه. والأحاديث في صلاة الضحى كثيرة جدا قد ذكرناها في شرحنا للمنتقى. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: استعدى رجل من بني إسرائيل عند داود على رجل من عظمائهم فقال: إن هذا غصبني بقرا لي، فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده، فسأل الآخر البينة فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده، فأتى داود في منامه