للأتباع، وما قالته الأتباع لهم. وقرأ ابن أبي عبلة بنصب " تخاصم " على أنه بدل من ذلك أو بإضمار أعني. وقرأ ابن السميفع " تخاصم " بصيغة الفعل الماضي فتكون جملة مستأنفة. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول قولا جامعا بين التخويف والإرشاد إلى التوحيد فقال (قل إنما أنا منذر) أي مخوف لكم من عقاب الله وعذابه (وما من إله) يستحق العبادة (إلا الله الواحد) الذي لا شريك له (القهار) لكل شئ سواه (رب السماوات والأرض وما بينهما) من المخلوقات (العزيز) الذي لا يغالبه مغالب (الغفار) لمن أطاعه. وقيل معنى " العزيز " المنيع الذي لا مثل له، ومعنى " الغفار " الستار لذنوب خلقه. ثم أمره سبحانه أن يبالغ في إنذارهم ويبين لهم عظم الأمر وجلالته فقال (قل هو نبأ عظيم) أي ما أنذرتكم به من العقاب وما بينته لكم من التوحيد هو خبر عظيم ونبأ جليل، من شأنه العناية به والتعظيم له وعدم الاستخفاف به، ومثل هذه الآية قوله - عم يتساءلون عن النبأ العظيم -. وقال مجاهد وقتادة ومقاتل: هو القرآن، فإنه نبأ عظيم لأنه كلام الله. قال الزجاج: قل النبأ الذي أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم: يعني ما أنبأهم به من قصص الأولين، وذلك دليل على صدقه ونبوته لأنه لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله، وجملة (أنتم عنه معرضون) توبيخ لهم وتقريع لكونهم أعرضوا عنه ولم يتفكروا فيه فيعلموا صدقه ويستدلوا به على ما أنكروه من البعث، وقوله (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى) استئناف مسوق لتقرير أنه نبأ عظيم، والملأ الأعلى هم الملائكة (إذ يختصمون) أي وقت اختصامهم، فقوله (بالملأ الأعلى) متعلق بعلم على تضمينه معنى الإحاطة، وقوله " إذ يختصمون " متعلق بمحذوف: أي ما كان لي فيما سبق علم بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم، والضمير في يختصمون راجع إلى الملأ الأعلى، والخصومة الكائنة بينهم هي في أمر آدم كما يفيده ما سيأتي قريبا، وجملة (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) معترضة بين اختصامهم المجمل وبين تفصيله بقوله (إذ قال ربك للملائكة) والمعنى: ما يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين. قال الفراء:
المعنى ما يوحى إلي إلا أنني نذير مبين أبين لكم ما تأتون من الفرائض والسنن وما تدعون من الحرام والمعصية.
قال: كأنك قلت ما يوحى إلي إلا الإنذار. قال النحاس: ويجوز أن تكون في محل نصب بمعنى ما يوحى إلي إلا لأنما أنا نذير مبين. قرأ الجمهور بفتح همزة أنما على أنها وما في حيزها في محل رفع لقيامها مقام الفاعل: أي ما يوحى إلي إلا الإنذار، أو إلا كوني نذيرا مبينا، أو في محل نصب، أو جر بعد إسقاط لام العلة، والقائم مقام الفاعل على هذا الجار والمجرور. وقرأ أبو جعفر بكسر الهمزة لأن في الوحي معنى القول، وهي القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية، كأنه قيل ما يوحى إلي إلا هذه الجملة المتضمنة لهذا الإخبار، وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين. وقيل إن الضمير في يختصمون عائد إلى قريش، يعني قول من قال منهم: الملائكة بنات الله، والمعنى: ما كان لي علم بالملائكة إذ تختصم فيهم قريش، والأول أولى.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (وغساق) قال: الزمهرير (وآخر من شكله) قال: من نحوه (أزواج) قال: ألوان من العذاب. وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن دلوا من غساق يهرق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " قال الترمذي بعد إخراجه: لا نعرفه إلا من حديث رشدين ابن سعد. قلت: ورشدين فيه مقال معروف. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله (فزده عذابا ضعفا في النار) قال: أفاعي وحيات. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (بالملأ الأعلى) قال: الملائكة حين شوروا الذي في خلق آدم فاختصموا فيه، وقالوا: لا تجعل في الأرض خليفة.