ولا حجة لهم في هذا فإنه استدلال بمحل النزاع، وهو مصادرة لأن النزاع في الصافن ماذا هو؟ وقال الزجاج:
هو الذي يقف على إحدى اليدين ويرفع الأخرى ويجعل على الأرض طرف الحافر منها حتى كأنه يقوم على ثلاث وهي الرجلان وإحدى اليدين، وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه وهي علامة الفراهة، وأنشد الزجاج قول الشاعر:
ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسير ومن هذا قول عمرو بن كلثوم:
تركنا الخيل عاكفة عليه * مقلدة أعنتها صفونا فإن قوله صفونا لا بد أن يحمل على معنى غير مجرد القيام، لأن مجرد القيام قد استفيد من قوله: عاكفة عليه. وقال أبو عبيد: الصافن هو الذي يجمع يديه ويسويهما، وأما الذي يقف على سنبكه فاسمه المتخيم، والجياد جمع جواد، يقال للفرس إذا كان شديد العدو. وقيل إنها الطوال الأعناق، مأخوذ من الجيد وهو العنق، قيل كانت مائة فرس، وقيل كانت عشرين ألفا، وقيل كانت عشرين فرسا، وقيل إنها خرجت له من البحر وكانت لها أجنحة (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) انتصاب حب الخير على أنه مفعول أحببت بعد تضمينه معنى آثرت. قال الفراء: يقول آثرت حب الخير، وكل من أحب شيئا فقد آثره. وقيل انتصابه على المصدرية بحذف الزوائد والناصب له أحببت، وقيل هو مصدر تشبيهي: أي حبا مثل حب الخير، والأول أولى. والمراد بالخير هنا الخيل. قال الزجاج: الخير هنا الخيل. وقال الفراء: الخير والخيل في كلام العرب واحد. قال النحاس:
وفي الحديث " الخيل معقود بنواصيها الخير " فكأنها سميت خيرا لهذا. وقيل إنها سميت خيرا لما فيها من المنافع.
" وعن " في (عن ذكر ربي) بمعنى على. والمعنى: آثرت حب الخيل على ذكر ربي: يعني صلاة العصر (حتى توارت بالحجاب) يعني الشمس ولم يتقدم لها ذكر ولكن المقام يدل على ذلك. قال الزجاج: إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشئ أو دليل الذكر، وقد جرى هنا الدليل وهو قوله بالعشي. والتواري: الاستتار عن الأبصار والحجاب: ما يحجبها عن الأبصار. قال قتادة وكعب: الحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق وهو جبل قاف، وسمى الليل حجابا لأنه يستر ما فيه، وقيل الضمير في قوله (حتى توارت) للخيل: أي حتى توارت في المسابقة عن الأعين. والأول أولى، وقوله (ردوها علي) من تمام قول سليمان: أي أعيدوا عرضها علي مرة أخرى.
قال الحسن: إن سليمان لما شغله عرض الخيل حتى فاتته صلاة العصر غضب لله وقال ردوها علي: أي أعيدوها.
وقيل الضمير في ردوها يعود إلى الشمس ويكون ذلك معجزة له، وإنما أمر بإرجاعها بعد مغيبها لأجل أن يصلي العصر، والأول أولى، والفاء في قوله (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) هي الفصيحة التي تدل على محذوف في الكلام، والتقدير هنا: فردوها عليه. قال أبو عبيدة: طفق يفعل مثل ما زال يفعل، وهو مثل ظل وبات وانتصاب مسحا على المصدرية بفعل مقدر: أي يمسح مسحا لأن خبر طفق لا يكون إلا فعلا مضارعا، وقيل هو مصدر في موضع الحال، والأول أولى. والسوق جمع ساق، والأعناق جمع عنق، والمراد أنه طفق يضرب أعناقها وسوقها، يقال مسح علاوته: أي ضرب عنقه. قال الفراء: المسح هنا القطع، قال: والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته، وكذا قال أبو عبيدة. قال الزجاج: ولم يكن يفعل ذلك إلا وقد أباحه الله له، وجائز أن يباح ذلك لسليمان ويحضر في هذا الوقت.
وقد اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية، فقال قوم: المراد بالمسح ما تقدم. وقال آخرون منهم الزهري وقتادة: إن المراد به المسح على سوقها وأعناقها لكشف الغبار عنها حبا لها. والقول الأول أولى بسياق الكلام فإنه