بالمعنى، وقد تقرر أنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه كما في قوله - نخل منقعر - وقوله - نخل خاوية - فبنو تميم ونجد يذكرونه وأهل الحجاز يؤنثونه إلا نادرا، والموصول بدل من الموصول الأول (فإذا أنتم منه توقدون) أي تقدحون منه النار وتوقدونها من ذلك الشجر الأخضر. ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم خلقا من الإنسان فقال (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) والهمزة لإنكار، والواو للعطف على مقدر كنظائره، ومعنى الآية: أن من قدر على خلق السماوات والأرض وهما في غاية العظم وكبر الأجزاء يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير الشكل ضعيف القوة، كما قال سبحانه - لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس -.
قرأ الجمهور " بقادر " بصيغة اسم الفاعل. وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والأعرج وسلام بن المنذر وأبو يعقوب الحضرمي " يقدر " بصيغة الفعل المضارع. ثم أجاب سبحانه عما أفاده الاستفهام من الإنكار التقريري بقوله (بلى وهو الخلاق العليم) أي بلى هو قادر على ذلك وهو المبالغ في الخلق والعلم على أكمل وجه وأتمه. وقرأ الحسن والجحدري ومالك بن دينار " وهو الخالق ". ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته وتيسر المبدأ والإعادة عليه فقال (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أي إنما شأنه سبحانه إذا تعلقت إرادته بشئ من الأشياء أن يقول له أحدث فيحدث من غير توقف على شئ آخر أصلا، وقد تقدم تفسير هذا في سورة النحل وفي البقرة. وقرأ الجمهور " فيكون " بالرفع على الاستئناف. وقرأ الكسائي بالنصب عطفا على يقول. ثم نزه سبحانه نفسه عن أن يوصف بغير القدرة فقال (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) والملكوت في كلام العرب لفظ مبالغة في الملك كالجبروت والرحموت كأنه قال: فسبحان الذي بيده مالكية الأشياء الكلية. قال قتادة: ملكوت كل شئ: مفاتح كل شئ. قرأ الجمهور " ملكوت " وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف وإبراهيم التيمي " ملكة " بزنة شجرة، وقرئ " مملكة " بزنة مفعلة، وقرئ " ملك " والملكوت أبلغ من الجميع. وقرأ الجمهور (وإليه ترجعون) بالفوقية على الخطاب مبنيا للمفعول. وقرأ السلمي وزر بن حبيش وأصحاب ابن مسعود بالتحتية على الغيبة مبنيا للمفعول أيضا. وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل: أي ترجعون إليه لا إلى غيره وذلك في الدار الآخرة بعد البعث.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في معجمه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال: يا محمد أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ قال: " نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحيك ثم يدخلك نار جهنم " فنزلت الآيات من آخر يس (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) إلى آخر السورة. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: جاء عبد الله بن أبي في يده عظم حائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مثل ما تقدم قال ابن كثير: وهذا منكر، لأن السورة مكية وعبد الله بن أبي إنما كان بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: جاء أبي بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدم. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال: نزلت في أبي جهل وذكر نحو ما تقدم.