بنظيره لها كما في قوله - وضربنا لكم الأمثال - أي بينا لكم أحوالا بديعة غريبة: هي في الغرابة كالأمثال، فقوله سبحانه هنا (واضرب لهم مثلا) يصح اعتبار الأمرين فيه. قال القرطبي: هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين، وقوله (إذ جاءها المرسلون) بدل اشتمال من أصحاب القرية، والمرسلون: هم أصحاب عيسى بعثهم إلى أهل أنطاكية للدعاء إلى الله، فأضاف الله سبحانه الإرسال إلى نفسه في قوله (إذ أرسلنا إليهم اثنين) لأن عيسى أرسلهم بأمر الله سبحانه، ويجوز أن يكون الله أرسلهم بعد رفع عيسى إلى السماء، فكذبوهما في الرسالة، وقيل ضربوهما وسجنوهما. قيل واسم الاثنين يوحنا وشمعون. وقيل أسماء الثلاثة صادق ومصدوق وشلوم قاله ابن جرير وغيره. وقيل سمعان ويحيى وبولس (فعززنا بثالث) قرأ الجمهور بالتشديد، وقرأ أبو بكر عن عاصم بتخفيف الزاي. قال الجوهري " فعززنا " يخفف ويشدد: أي قوينا وشددنا فالقراءتان على هذا بمعنى. وقيل التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا، ومنه - وعزني في الخطاب - والتشديد بمعنى قوينا وكثرنا. قيل وهذا الثالث هو شمعون، وقيل غيره (فقالوا إنا إليكم مرسلون) أي قال الثلاثة جميعا، وجاءوا بكلامهم هذا مؤكدا لسبق التكذيب للاثنين، والتكذيب لهما تكذيب للثالث، لأنهم أرسلوا جميعا بشئ واحد، وهو الدعاء إلى الله عز وجل، وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ما قال هؤلاء الرسل بعد التعزيز لهم بثالث؟ وكذلك جملة (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) فإنها مستأنفة جواب سؤال مقدر: كأنه قيل فما قال لهم أهل أنطاكية، فقيل: قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا: أي مشاركون لنا في البشرية، فليس لكم مزية علينا تختصون بها. ثم صرحوا بجحود إنزال الكتب السماوية فقالوا (وما أنزل الرحمن من شئ) مما تدعونه أنتم ويدعيه غيركم ممن قبلكم من الرسل وأتباعهم (إن أنتم إلا تكذبون) أي ما أنتم إلا تكذبون في دعوى ما تدعون من ذلك، فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكد تأكيدا بليغا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية، وهو قولهم (ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) فأكدوا الجواب بالقسم الذي يفهم من قولهم: ربنا يعلم، وبان، وباللام (وما علينا إلا البلاغ المبين) أي ما يجب علينا من جهة ربنا إلا تبليغ رسالته على وجه الظهور والوضوح وليس علينا غير ذلك، وهذه الجملة مستأنفة كالتي قبلها، وكذلك جملة (قالوا إنا تطيرنا بكم) فإنها مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر: أي إنا تشاءمنا بكم، لم تجدوا جوابا تجيبون به على الرسل إلا هذا الجواب المبني على الجهل المنبئ عن الغباوة العظيمة، وعدم وجود حجة تدفعون الرسل بها.
قال مقاتل: حبس عنهم المطر ثلاث سنين. قيل إنهم أقاموا ينذرونهم عشر سنين، ثم رجعوا إلى التجبر والتكبر لما ضاقت صدورهم وأعيتهم العلل فقالوا (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) أي لئن لم تتركوا هذه الدعوى وتعرضوا عن هذه المقالة لنرجمنكم بالحجارة (وليمسنكم منا عذاب أليم) أي شديد فظيع. قال الفراء: عامة ما في القرآن من الرجم المراد به القتل. وقال قتادة: هو على بابه من الرجم بالحجارة. قيل ومعنى العذاب الأليم: القتل، وقيل الشتم، وقيل هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص وهذا هو الظاهر. ثم أجاب عليهم الرسل دفعا لما زعموه من التطير بهم ف (قالوا طائركم معكم) أي شؤمكم معكم من جهة أنفسكم، لازم في أعناقكم، وليس هو من شؤمنا. قال الفراء: طائركم معكم: أي رزقكم وعملكم وبه قال قتادة. قرأ الجمهور " طائركم " اسم فاعل: أي ما طار لكم من الخير والشر، وقرأ الحسن " أطيركم " أي تطيركم (أئن ذكرتم) قرأ الجمهور من السبعة وغيرهم بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية على الخلاف بينهم في التسهيل والتحقيق، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه. وقرأ أبو جعفر وزر بن حبيش وابن السميفع وطلحة بهمزتين مفتوحتين. وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر والحسن " أين " بفتح الهمزة وسكون الباء على صيغة الظرف.