صدره (كأنها كوكب دري) شبه صدر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالكوكب الدري، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال (يوقد من شجرة مباركة - يكاد زيتها يضيء) قال: يكاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي، كما يكاد الزيت أن يضيء ولو لم تمسسه نار.
وأقول: إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدم عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ليس على ما تقتضيه لغة العرب، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يجوز العدول عن المعنى العربي إلى هذه المعاني التي هي شبيهة بالألغاز والتعمية، ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدوا ولم تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة، ولهذا قال ابن عباس: هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة كما قدمنا عنه، ولا وجه لهذا الاستبعاد. فإنا قد قدمنا في أول البحث ما يرفع الإشكال ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه وأبلغ أسلوب، وعلى ما تقتضيه لغة العرب ويفيده كلام الفصحاء، فلا وجه للعدول عن الظاهر، لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة. وأما ما حكى عن كعب الأحبار في هذا كما قدمنا، فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية، فليس مثل كعب رحمه الله ممن يقتدى به في مثل هذا. وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيرا، فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي، نعم إن صحت قراءة أبي بن كعب، كانت هي المستند لهذه التفاسير المخالفة للظاهر، وتكون كالزيادة المبينة للمراد، وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم هو المتعين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: هي المساجد تكرم وينهى عن اللغو فيها، ويذكر فيها اسم الله، يتلى فيها كتابه (يسبح له فيها بالغدو والآصال) صلاة الغداة وصلاة العصر، وهما أول ما فرض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما ويذكر بهما عباده. وقد ورد في تعظيم المساجد وتنزيهها عن القذر واللغو وتنظيفها وتطييبها أحاديث ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص في قوله (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال).
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) قال: هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) قال: هم الذين يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية، قال: كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما في أيديهم وقاموا إلى المسجد فصلوا. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في الشعب عنه في الآية، قال: ضرب الله هذا المثل قوله " كمشكاة " لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وكانوا أتجر الناس وأبيعهم، ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا عن ذكر الله قال: عن شهود الصلاة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم، ثم دخلوا المسجد، فقال ابن عمر فيهم نزلت: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله).
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه رأى ناسا من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم، فقال: هؤلاء الذين قال الله فيهم (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله). وأخرج