قوله (ولوطا) منصوب بالعطف على نوحا، أو على إبراهيم، أو بتقدير أذكر. قال الكسائي: المعنى وأنجينا لوطا، أو وأرسلنا لوطا (إذ قال لقومه) ظرف للعامل في لوط (إنكم لتأتون الفاحشة) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر " أئنكم " بالاستفهام. وقرأ الباقون بلا استفهام، والفاحشة الخصلة المتناهية في القبح، وجملة (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) مقررة لكمال قبح هذه الخصلة، وأنهم منفردون بذلك لم يسبقهم إلى عملها أحد من الناس على اختلاف أجناسهم. ثم بين سبحانه هذه الفاحشة فقال (أئنكم لتأتون الرجال) أي تلوطون وقال بهم (وتقطعون السبيل) قيل إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين، فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم، فقطعوا السبيل بهذا السبب. قال الفراء: كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث، وقيل كانوا يقطعون الطريق على المارة بقتلهم ونهبهم، والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سببا لقطع الطريق من غير تقييد بسبب خاص، وقيل إن معنى قطع الطريق: قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال (وتأتون في ناديكم المنكر) النادي والندى والمنتدى مجلس القوم ومتحدثهم.
واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه، فقيل كانوا يحذفون الناس بالحصباء، ويستخفون بالغريب، وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم، وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقيل كانوا يلعبون بالحمام، وقيل كانوا يخضبون أصابعهم بالحناء، وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش، وقيل يلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات. قال الزجاج: وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وأن لا يجتمعوا على الهزؤ والمناهي. ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) أي فما أجابوا بشئ إلا بهذا القول رجوعا منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد، وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وقد تقدم في سورة النمل - فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم - وتقدم في سورة الأعراف - فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم - وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطا كان ثابتا على الإرشاد ومكررا للنهي لهم والوعيد عليهم، فقالوا له أولا: ائتنا بعذاب الله كما في هذه الآية، فلما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا: أخرجوهم كما في الأعراف والنمل، وقيل إنهم قالوا أولا أخرجوهم من قريتكم، ثم قالوا ثانيا ائتنا بعذاب الله. ثم إن لوطا لما يئس منهم طلب النصرة عليهم من الله سبحانه ف (قال رب انصرني على القوم المفسدين) بإنزال عذابك عليهم وإفسادهم هو بما سبق من إتيان الرجال وعمل المنكر في ناديهم، فاستجاب الله سبحانه وبعث لعذابهم ملائكته وأمرهم بتبشير إبراهيم قبل عذابهم، ولهذا قال (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) أي بالبشارة بالولد وهو إسحاق، وبولد الولد وهو يعقوب (قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية) أي قالوا لإبراهيم هذه المقالة، والقرية هي قرية سدوم التي كان فيها قوم لوط، وجملة (إن أهلها كانوا ظالمين) تعليل للإهلاك: أي إهلاكنا لهم بهذا السبب (قال إن فيها لوطا) أي قال لهم إبراهيم: إن في هذه القرية التي أنتم مهلكوها لوطا فكيف تهلكونها؟ (قالوا نحن أعلم بمن فيها) فيها من الأخيار والأشرار ونحن أعلم من غيرنا بمكان لوط (لننجينه وأهله) من العذاب. قرأ الأعمش وحمزة ويعقوب والكسائي " لننجينه " بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد (إلا امرأته كانت من الغابرين) أي الباقين في العذاب، وهو لفظ مشترك بين الماضي والباقي، وقد تقدم تحقيقه، وقيل المعنى: من الباقين في القرية التي سينزل بها العذاب، فتعذب من جملتهم ولا تنجو فيمن نجا (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم) أي لما جاءت الرسل لوطا بعد مفارقتهم إبراهيم سئ بهم: