أي ومن يمدحه وينصره سواء. ومثله قوله تعالى - وما منا إلا له مقام معلوم - أي إلا من له مقام معلوم.
والمعنى: أنه لا يعجزه سبحانه أهل الأرض ولا أهل السماء في السماء إن عصوه. وقال قطرب: إن معنى الآية:
ولا في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة: يعني ولا بالبصرة لو صار إليها. وقال المبرد: المعنى ولا من في السماء. على أن من ليست موصولة بل نكرة، وفي السماء صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف، ورد ذلك علي بن سليمان وقال: لا يجوز، ورجح ما قاله قطرب (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) من مزيدة للتأكيد: أي ليس لكم ولي يواليكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم عذاب الله (والذين كفروا بآيات الله ولقائه) المراد بالآيات الآيات التنزيلية أو التكوين أو جميعهما، وكفروا بلقاء الله: أي أنكروا البعث وما بعده ولم يعملوا بما أخبرتهم به رسل الله سبحانه، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الكافرين بالآيات واللقاء.
وهو مبتدأ وخبره (يئسوا من رحمتي) أي إنهم في الدنيا آيسون فيه من رحمة الله لم ينجع فيهم ما نزل من كتب الله ولا ما أخبرتهم به رسله. وقيل المعنى: أنهم ييأسون يوم القيامة من رحمة الله وهي الجنة. والمعنى: أنهم أو يسوا من الرحمة (وأولئك لهم عذاب أليم) كرر سبحانه الإشارة للتأكيد، ووصف العذاب بكونه أليما للدلالة على أنه في غاية الشدة (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) هذا رجوع إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض بما تقدم من خطاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم على قول من قال: إن قوله قل سيروا في الأرض خطاب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأما على قول من قال: إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام، فالكلام في سياقه سابقا ولاحقا: أي قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم: افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين، ثم اتفقوا على تحريقه (فأنجاه الله من النار) وجعلها عليه بردا وسلاما (إن في ذلك) أي في إنجاء الله لإبراهيم (لآيات) بينة: أي دلالات واضحة وعلامات ظاهرة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه: حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثرا، بل ثارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق، وإنما خص المؤمنون، لأنهم الذين يعتبرون بآيات الله سبحانه، وأما من عداهم فهم عن ذلك غافلون. قرأ الجمهور بنصب " جواب قومه " على أنه خبر كان وما بعده اسمها. وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار والحسن برفعه على أنه اسم كان وما بعده في محل نصب على الخبر (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا) أي قال إبراهيم لقومه: أي للتوادد صلى بينكم والتواصل لاجتماعكم على عبادتها، وللخشية من ذهاب المودة فيما بينكم إن تركتم عبادتها. قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " مودة بينكم " برفع مودة غير منونة، وإضافتها إلى بينكم.
وقرأ الأعمش وابن وثاب " مودة " برفعها منونة. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بنصب " مودة " منونة ونصب بينكم على الظرفية. وقرأ حمزة وحفص بنصب " مودة " مضافة إلى بينكم. فأما قراءة الرفع فذكر الزجاج لها وجهين:
الأول أنها ارتفعت على خبر إن في إنما اتخذتم وجعل ما موصولة، والتقدير: إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم. والوجه الثاني أن تكون على إضمار مبتدأ: أي هي مودة أو تلك مودة. والمعنى: أن المودة هي التي جمعتكم على عبادة الأوثان واتخاذها. قيل ويجوز أن تكون مودة مرتفعة بالابتداء وخبرها في الحياة الدنيا.
ومن قرأ برفع مودة منونة فتوجيهه كالقراءة الأولى، ونصب بينكم على الظرفية. ومن قرأ بنصب مودة ولم ينونها جعلها مفعول اتخذتم وجعل إنما حرفا واحدا للحصر، وهكذا من نصبها ونونها. ويجوز أن يكون النصب في هاتين القراءتين على أن المودة علة فهي مفعول لأجله، وعلى قراءة الرفع يكون مفعول اتخذتم الثاني محذوفا: أي أوثانا آلهة، وعلى تقدير أن ما في قوله " إنما اتخذتم " موصولة يكون المفعول الأول ضميرها: أي اتخذتموه، والمفعول