الثاني أوثانا (ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض) أي يكفر بعض هؤلاء المتخذين للأوثان العابدين لها بالبعض الآخر منهم فيتبرأ القادة من الأتباع والأتباع من القادة، وقيل المعنى: يتبرأ العابدون للأوثان من الأوثان وتتبرأ الأوثان من العابدين لها (ويلعن بعضكم بعضا) أي يلعن كل فريق الآخر على التفسيرين المذكورين (ومأواكم النار) أي الكفار، وقيل يدخل في ذلك الأوثان: أي هي منزلكم الذي تأوون إليه (وما لكم من ناصرين) يخلصونكم منها بنصرتهم لكم (فآمن له لوط) أي آمن لإبراهيم لوط فصدقه في جميع ما جاء به، وقيل إنه لم يؤمن به إلا حين رأى النار لا تحرقه، وكان لوط ابن أخي إبراهيم (وقال إني مهاجر إلى ربي) قال النخعي وقتادة: الذي قال إني مهاجر إلى ربي هو إبراهيم. قال قتادة: هاجر من كوثي وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه ابن أخيه لوط وامرأته سارة. والمعنى: إني مهاجر عن دار قومي إلى حيث أعبد ربي (إنه هو العزيز الحكيم) أي الغالب الذي أفعاله جارية على مقتضى الحكمة، وقيل إن القائل إني مهاجر إلى ربي هو لوط، والأول أولى لرجوع الضمير في قوله (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) إلى إبراهيم، وكذا في قوله (وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب)، وكذا في قوله (وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) فإن هذه الضمائر كلها لإبراهيم بلا خلاف:
أي من الله عليه بالأولاد فوهب له إسحاق ولدا له ويعقوب ولدا لولده إسحاق وجعل في ذريته النبوة والكتاب فلم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه، ووحد الكتاب لأن الألف واللام فيه للجنس الشامل للكتب، والمراد التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ومعنى (وآتيناه أجره في الدنيا) أنه أعطي في الدنيا الأولاد، وأخبره الله باستمرار النبوة فيهم، وذلك مما تقر به عينه ويزداد به سروره، وقيل أجره في الدنيا أن أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منهم. وقيل أعطاه في الدنيا عملا صالحا وعاقبة حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين: أي الكاملين في الصلاح المستحقين لتوفير الأجرة وكثرة العطاء من الرب سبحانه. وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال: بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان عمر نوح قبل أن يبعث إلى قومه وبعد ما بعث ألفا وسبعمائة سنة. وأخرج ابن جرير عن عوف بن أبي شداد قال: إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا عن أنس بن مالك قال: جاء ملك الموت إلى نوح فقال: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟
قال: كرجل دخل بيتا له بابان، فقال في وسط البيت هنيهة، ثم خرج من الباب الآخر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (وجعلناها آية للعالمين) قال: أبقاها الله آية فهي على الجودي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وتخلقون إفكا) قال: تقولون كذبا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (النشأة الآخرة) قال: هي الحياة بعد الموت. وهو النشور. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (فآمن له لوط) قال: صدق لوط إبراهيم. وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال: " أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صحبهما الله، إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط ". وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " هاجر عثمان إلى الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط ". وأخرج ابن عساكر والطبراني والحاكم في الكنى عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله