أي جاءه ما ساءه وخاف منه، لأنه ظنهم من البشر، فخاف عليهم من قومه لكونهم في أحسن صورة من الصور البشرية، و " أن " في أن جاءت زائدة للتأكيد (وضاق بهم ذرعا) أي عجز عن تدبيرهم وحزن وضاق صدره، وضيق الذراع كناية عن العجز، كما يقال في الكناية عن الفقر: ضاقت يده، وقد تقدم تفسير هذا مستوفى في سورة هود. ولما شاهدت الملائكة ما حل به من الحزن والتضجر (قالوا لا تخف ولا تحزن) أي لا تخف علينا من قومك ولا تحزن فإنهم لا يقدرون علينا (إنا منجوك وأهلك) من العذاب الذي أمرنا الله بأن ننزله بهم (إلا امرأتك كانت من الغابرين) أخبروا لوطا بما جاءوا به من إهلاك قومه وتنجيته وأهله إلا امرأته كما أخبروا بذلك إبراهيم، قرأ حمزة والكسائي وشعبة ويعقوب والأعمش " منجوك " بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد. قال المبرد: الكاف في منجوك مخفوض ولم يجز عطف الظاهر على المضمر المخفوض، فحمل الثاني على المعنى وصار التقدير:
وننجي أهلك (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء) هذه الجملة مستأنفة لبيان هلاكهم المفهوم من تخصيص التنجية به وبأهله، والرجز العذاب أي عذابا من السماء، وهو الرمي بالحجارة، وقيل إحراقهم بنار نازلة من السماء، وقيل هو الخسف والحصب كما في غير هذا الموضع، ومعنى كون الخسف من السماء أن الأمر به نزل من السماء. قرأ ابن عامر " منزلون " بالتشديد. وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون بالتخفيف، والباء في (بما كانوا يفسقون) للسببية: أي لسبب فسقهم (ولقد تركنا منها آية بينة) أي أبقينا من القرية علامة ودلالة بينة وهي الآثار التي بها من الحجارة رجموا بها وخراب الديار. وقال مجاهد: هو الماء الأسود الباقي على وجه أرضهم ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ذكر، وخص من يعقل، لأنه الذي يفهم أن تلك الآثار عبرة يعتبر بها من يراها (وإلى مدين أخاهم شعيبا) أي وأرسلناه إليهم، وقد تقدم ذكره وذكر نسبه وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود (قال يا قوم اعبدوا الله) أي أفردوه بالعبادة وخصوه بها (وأرجوا اليوم الآخر) أي توقعوه وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم. قال يونس النحوي: معناه أخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) العثو والعثى أشد الفساد. وقد تقدم تفسيره (فأخذتهم الرجفة) أي الزلزلة، وتقدم في سورة هود - وأخذ الذين ظلموا الصيحة - أي صيحة جبريل وهي سبب الرجفة (فأصبحوا في دارهم جاثمين) أي أصبحوا في بلدهم أو منازلهم جاثمين على الركب ميتين (وعادا وثمود) قال الكسائي: قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة: أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمود، قال: وأحب إلي أن يكون على " فأخذتهم الرجفة " أي وأخذت عادا وثمود. وقال الزجاج: التقدير وأهلكنا عادا وثمود، وقيل المعنى: واذكر عادا وثمودا إذ أرسلنا إليهم هودا وصالحا (وقد تبين لكم من مساكنهم) أي وقد ظهر لكم يا معاشر الكفار من مساكنهم بالحجر والأحقاف آيات بينات تتعظون بها وتتفكرون فيها، ففاعل تبين محذوف (وزين لهم الشيطان أعمالهم) التي يعملونها من الكفر ومعاصي الله (فصدهم) بهذا التزيين (عن السبيل) أي الطريق الواضح الموصل إلى الحق (وكانوا مستبصرين) أي أهل بصائر يتمكنون بها من معرفة الحق بالاستدلال. قال الفراء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم، وقيل المعنى: كانوا مستبصرين في كفرهم وضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى ويرون أن أمرهم حق، فوصفهم بالاستبصار على هذا باعتبار ما عند أنفسهم (وقارون وفرعون وهامان) قال الكسائي: إن شئت كان محمولا على " عادا " وكان فيه ما فيه، وإن شئت كان على " فصدهم عن السبيل " أي وصد قارون وفرعون وهامان. وقيل التقدير: وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل (فاستكبروا في الأرض) عن عبادة الله (وما كانوا سابقين) أي فائتين، يقال سبق طالبه: إذا فاته: وقيل وما كانوا سابقين في الكفر،