عليك، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما " أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (ولا تبغ الفساد في الأرض) أي لا تعمل فيها بمعاصي الله (إن الله لا يحب المفسدين) في الأرض (قال إنما أوتيته على علم عندي) قال قارون: هذه المقالة ردا على من نصحه بما تقدم: أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي، فقوله " على علم " في محل نصب على الحال، وعندي إما ظرف لأوتيته، وإما صلة للعلم، وهذا العلم الذي جعله سببا لما ناله من الدنيا. قيل هو علم التوراة، وقيل علمه بوجوه المكاسب والتجارات، وقيل معرفة الكنوز والدفائن، وقيل علم الكيمياء، وقيل المعنى: إن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني. واختار هذا الزجاج وأنكر ما عداه. ثم رد الله عليه قوله هذا فقال (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) المراد بالقرون الأمم الخالية، ومعنى أكثر جمعا: أكثر منه جمعا للمال، ولو كان المال أو القوة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله. وقيل القوة الآلات، والجمع الأعوان. وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون، لأنه قد قرأ التوراة، وعلم علم القرون الأولى وإهلاك الله سبحانه لهم (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) أي لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله - ولاهم يستعتبون - وما هم من المعتبين - وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ كما في قوله - فوربك لنسألنهم أجمعين - وقال مجاهد: لا تسأل الملائكة غدا عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون. وقال قتادة: لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهروها وكثرتها، بل يدخلون النار. وقيل لا يسأل مجرموا هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية (فخرج على قومه في زينته) الفاء للعطف على " قال " وما بينهما اعتراض، و " في زينته " متعلق بخرج، أو بمحذوف هو حال من فاعل خرج. وقد ذكر المفسرون في هذه الزينة التي خرج فيها روايات مختلفة، والمراد أنه خرج في زينة انبهر لها من رآها، ولهذا تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها كما حكى الله عنهم بقوله (قال الذين يريدون الحياة الدنيا) وزينتها (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) أي نصيب وافر من الدنيا.
واختلف في هؤلاء القائلين بهذه المقالة، فقيل هم من مؤمني ذلك الوقت، وقيل هم قوم من الكفار (وقال الذين أوتوا العلم) وهم أحبار بني إسرائيل قالوا للذين تمنوا (ويلكم ثواب الله خير) أي ثواب الله في الآخرة خير مما تمنونه (لمن آمن وعمل صالحا) فلا تمنوا عرض الدنيا الزائل الذي لا يدوم (ولا يلقاها) أي هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار، وقيل الضمير يعود إلى الأعمال الصالحة، وقيل إلى الجنة (إلا الصابرون) على طاعة الله والمصبرون أنفسهم عن الشهوات (فخسفنا به وبداره الأرض) يقال: خسف المكان يخسف خسوفا: ذهب في الأرض، وخسف به الأرض خسفا: أي غاب به فيها، والمعنى: أن الله سبحانه غيبه وغيب داره في الأرض (فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله) أي ما كان له جماعة يدفعون ذلك عنه (وما كان) هو في نفسه (من المنتصرين) من الممتنعين مما نزل به من الخسف (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) أي منذ زمان قريب (يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر) أي يقول كل واحد منهم متندما على ما فرط منه من التمني. قال النحاس:
أحسن ما قيل في هذا ما قاله الخليل وسيبويه ويونس والكسائي أن القوم تنبهوا فقالوا: وي. والمتندم من العرب يقول في خلال ندمه وي. قال الجوهري: وي كلمة تعجب، ويقال ويك، وقد تدخل وي على كأن المخففة والمشددة ويكأن الله. قال الخليل: هي مفصولة تقول وي، ثم تبتدئ فيقول كأن. وقال الفراء: هي كلمة