صده (وادع إلى ربك) أي ادع الناس إلى الله وإلى توحيده، والعمل بفرائضه واجتناب معاصيه (ولا تكونن من المشركين) وفيه تعريض بغيره كما تقدم، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون من المشركين بحال من الأحوال، وكذلك قوله (ولا تدع مع الله إلها آخر) فإنه تعريض لغيره. ثم وحد سبحانه نفسه ووصفها بالبقاء والدوام فقال (لا إله إلا هو كل شئ) من الأشياء كائنا ما كان (هالك إلا وجهه) أي إلا ذاته. قال الزجاج:
وجهه منصوب على الاستثناء، ولو كان في غير القرآن كان مرفوعا بمعنى كل شئ غير وجهه هالك. كما قال الشاعر: وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان والمعنى كل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه (له الحكم) أي القضاء النافذ يقضي بما شاء ويحكم بما أراد (وإليه ترجعون) عند البعث ليجزي المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته، لا إله غيره سبحانه وتعالى.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (سرمدا) قال: دائما. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (وصل عنهم) يوم القيامة (ما كانوا يفترون) قال: يكذبون في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه أيضا (إن قارون كان من قوم موسى) قال: كان ابن عمه وكان يتبع العلم حتى جمع علما فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده فقال له موسى إن الله أمرني أن آخذ الزكاة، فأبى فقال إن موسى يريد أن يأكل أموالكم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فاحتملتموها فتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ فقالوا لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم أرى أن أرسل إلى بغي من بغايا بني إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها، فأرسلوا إليها فقالوا لها نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك، قالت نعم، فجاء قارون إلى موسى فقال: أجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك، قال نعم، فجمعهم فقالوا له: ما أمرك ربك؟ قال: أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا، وأمرني إذا زنا وقد أحصن أن يرجم، قالوا: وإن كنت أنت، قال نعم، قالوا: فإنك قد زنيت. قال أنا؟
فأرسلوا للمرأة فجاءت، فقالوا: ما تشهدين على موسى؟ فقال لها موسى: أنشدك بالله إلا ما صدقت. قالت: أما إذا نشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي وأنا أشهد أنك بريء وأنك رسول الله، فخر موسى ساجدا يبكي، فأوحى الله إليه ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض فمرها فتعطيك، فرفع رأسه فقال خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى، فقال خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى، فقال خذيهم، فأخذتهم فغشيتهم، فأوحى الله يا موسى: سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم.
قال ابن عباس: وذلك قوله " فخسفنا به وبداره الأرض " خسف به إلى الأرض السفلى. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خيثمة قال: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كل مفتاح مثل الأصبع كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أعز محجل. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه قال: وجدت في الإنجيل أن بغال مفاتيح خزائن قارون غر محجلة لا يزيد مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح كنز، قلت: لم أجد في الإنجيل هذا الذي ذكره خيثمة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لتنوء بالعصبة) قال: تثقل. وأخرج ابن المنذر عنه قال: لا يرفعها العصبة من الرجال أولو القوة. وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: العصبة أربعون رجلا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله