والجذوة الجمرة، والجمع جذى وجذى وجذى. قال مجاهد: في الآية أن الجذوة قطعة من الجمر في لغة جميع العرب. وقال أبو عبيدة: هي القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا ولم يكن، ومما يؤيد أن الجذوة الجمرة قول السلمي:
وبدلت بعد المسك والبان شقوة * دخان الجذا في رأس أشمط شاحب (لعلكم تصطلون) أي تستدفئون بالنار (فلما أتاها) أي أتى النار التي أبصرها، وقيل أتى الشجرة، والأول أولى لعدم تقدم الذكر للشجرة (نودي من شاطئ الواد الأيمن) من لابتداء الغاية، والأيمن صفة للشاطئ، وهو من اليمن وهو البركة، أو من جهة اليمين المقابل لليسار بالنسبة إلى موسى: أي الذي يلي يمينه دون يساره، وشاطئ الوادي طرفه، وكذا شطه. قال الراغب: وجمع الشاطئ أشطاء، وقوله (في البقعة المباركة) متعلق بنودي، أو بمحذوف على أنه حال من الشاطئ، و (من الشجرة) بدل اشتمال من شاطئ الواد، لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ. وقال الجوهري: يقول شاطئ الأودية ولا يجمع. قرأ الجمهور (في البقعة) بضم الباء، وقرأ أبو سلمة والأشهب العقيلي بفتحها، وهي لغة حكاها أبو زيد (أن يا موسى إني أنا الله) أن هي المفسرة، ويجوز أن تكون هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وجملة النداء مفسرة له، والأول أولى. قرأ الجمهور بكسر همزة " إني " على إضمار القول أو على تضمين النداء معناه. وقرئ بالفتح وهي قراءة ضعيفة، وقوله (وأن ألق عصاك) معطوف على (أن يا موسى) وقد تقدم تفسير هذا وما بعده في طه والنمل، وفي الكلام حذف، والتقدير:
فألقاها فصارت ثعبانا فاهتزت (فلما رآها تهتز كأنها جان) في سرعة حركتها مع عظم جسمها (ولى مدبرا) أي منهزما، وانتصاب مدبرا على الحال، وقوله (ولم يعقب) في محل نصب أيضا على الحال: أي لم يرجع (يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) قد تقدم تفسير جميع ما ذكر هنا مستوفى فلا نعيده، وكذلك قوله (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك) جناح الإنسان عضده، ويقال لليد كلها جناح: أي اضمم إليك يديك المبسوطتين لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع، وقد عبر عن هذا المعنى بثلاث عبارات: الأولى اسلك يدك في جيبك، والثانية: واضمم إليك جناحك، والثالثة: وأدخل يدك في جيبك، ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا، ومعنى (من الرهب) من أجل الرهب، وهو الخوف. قرأ الجمهور (الرهب) بفتح الراء والهاء، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ حفص والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح الراء وإسكان الهاء. وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفصا بضم الراء وإسكان الهاء. وقال الفراء:
أراد بالجناح عصاه، وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة. قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول لآخر: أعطني ما في رهبك، فسألته عن الرهب، فقال الكم. فعلى هذا يكون معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم (فذانك) إشارة إلى العصا واليد (برهانان من ربك إلى فرعون وملائه) أي حجتان نيرتان ودليلان واضحان، قرأ الجمهور " فذانك " بتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديدها، قيل والتشديد لغة قريش. وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر وشبل وأبو نوفل بياء تحتية بعد نون مكسورة، والياء بدل من من إحدى النونين وهي لغة هذيل، وقيل لغة تميم، وقوله (من ربك) متعلق بمحذوف: أي كائنان منه، وكذلك قوله (إلى فرعون وملائه) متعلق بمحذوف: أي مرسلان، أو واصلان إليهم (إنهم كانوا قوما فاسقين) متجاوزين الحد في الظلم خارجين عن الطاعة أبلغ خروج، والجملة تعليل لما قبلها.