فعل محذوف خوطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحشر الجمع. قيل والمراد بهذا الحشر هو حشر العذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق، ومن لابتداء الغاية، والفوج: الجماعة كالزمرة، ومن في (ممن يكذب بآياتنا) بيانية (فهم يوزعون) أي يحبس أولهم على آخرهم) وقد تقدم تحقيقه في هذه السورة مستوفى، وقيل معناه: يدفعون، ومنه قول الشماخ: * وسمه وزعنا من خميس جحفل * ومعنى الآية: واذكر يا محمد يوم نجمع من كل أمة من الأمم جماعة مكذبين بآياتنا فهم عند ذلك الحشر يرد أولهم على آخرهم أو يدفعون: أي أذكر لهم هذا أو بينه تحذيرا لهم وترهيبا (حتى إذا جاءوا) إلى موقف الحساب قال الله لهم توبيخا وتقريعا (أكذبتم بآياتي) التي أنزلتها على رسلي، وأمرتهم بإبلاغها إليكم (و) الحال أنكم (لم تحيطوا بها علما) بل كذبتم بها بادئ بدء جاهلين لها غير ناظرين فيها ولا مستدلين على صحتها أو بطلانها تمردا وعنادا وجرأة على الله وعلى رسله، وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ، لأن من كذب بشئ ولم يحط به علما فقد كذب في تكذيبه، ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف، وسوء الفهم، وقصور الإدراك، ومن هذا القبيل من تصدى لذم علم من العلوم الشرعية أو لذم علم هو مقدمة من مقدماتها، ووسيلة يتوسل بها إليها، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها، وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها، وهي اثنا عشر علما، وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله وسنة رسوله، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على مالا يعرفه، ولا يعلم به، ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول وركاك الأديان، ورعاع المتلبسين بالعلم زورا وكذبا، وأم في قوله (أماذا كنتم تعملون) هي المنقطعة، والمعنى: أم أي شئ كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها والتفكر في معانيها، وهذا الاستفهام على طريق التبكيت لهم (ووقع القول عليهم) قد تقدم تفسيره قريبا، والباء في (بما ظلموا) للسببية: أي وجب القول عليهم بسبب الظلم الذي أعظم أنواعه الشرك بالله (فهم لا ينطقون) عند وقوع القول عليهم: أي ليس لهم عذر ينطقون به، أو لا يقدرون على القول لما يرونه من الهول العظيم. وقال أكثر المفسرين: يختم على أفواههم فلا ينطقون، ثم بعد أن خوفهم بأهوال القيامة ذكر سبحانه ما يصلح أن يكون دليلا على التوحيد، وعلى الحشر، وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد وإبلاء للمعذرة، فقال (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا) أي جعلنا الليل للسكون، والاستقرار والنوم، وذلك بسبب ما فيه من الظلمة فإنهم لا يسعون فيه للمعاش، والنهار مبصرا ليبصروا فيه ما يسعون له من المعاش الذي لا بد له منهم، ووصف النهار بالإبصار، وهو وصف للناس مبالغة في إضاءته كأنه يبصر ما فيه. قيل في الكلام حذف، والتقدير: وجعلنا الليل مظلما ليسكنوا، وحذف مظلما لدلالة مبصرا عليه، وقد تقدم تحقيقه في الإسراء وفي يونس (إن في ذلك) المذكور (لآيات) أي علامات ودلالات (لقوم يؤمنون) بالله سبحانه. ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال (ويوم ينفخ في الصور) هو معطوف على " ويوم نحشر " منصوب بناصبه المتقدم. قال الفراء: إن المعنى: وذلكم يوم ينفخ في الصور، والأول أولى. والصور: قرن ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدم في الأنعام استيفاء الكلام عليه. والنفخات رسول في الصور ثلاث: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة البعث. وقيل إنها نفختان، وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق أو إلى نفخة البعث، واختار هذا القشيري والقرطبي وغيرهما. وقال
(١٥٤)