وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب وفى رواية ابن وهب والجهل في الصوم ولابن ماجة من طريق ابن المبارك من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به جعل الضمير في به يعود على الجهل والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال وفى الباب عن أنس (قلت) وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ من لم يدع الخنا والكذب ورجاله ثقات والمراد بقول الزور الكذب والجهل السفه والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم (قوله فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قال ابن بطال ليس معناه ان يؤمر بان يدع صيامه وانما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لاثم بائع الخمر وأما قوله فليس لله حاجة فلا مفهوم له فان الله لا يحتاج إلى شئ وانما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شئ من ذلك قال ابن المنير في الحاشية بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لي بكذا فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول الصوم السالم منه وقريب من هذا قوله تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم فان معناه لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول وقال ابن العربي مقتضى هذا الحديث ان من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة باثم الزور وما ذكر معه وقال البيضاوي ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول فقوله ليس لله حاجة مجاز عن عدم القبول فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر وأجاب السبكي الكبير بان في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول لان الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهى عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها والثاني البحث على سلامة الصوم عنها وان سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضى ان يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك ان الصوم يكمل بالسلامة عنها قال فإذا لم يسلم عنها نقص ثم قال ولا شك ان التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالاجماع ولعل القصد به في الأصل بالامساك عن جميع المخالفات لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالامساك عن المفطرات ونبه الغافل بذلك على الامساك عن المخالفات وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات والله أعلم وقال شيخنا في شرح الترمذي لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل لان الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به لأنها أن يذكر غيره بما يكره وقول الزور هو الكذب وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور
(١٠٠)