نعم يحتاج إلى وجود دليل على صحة العقد الفلاني والتمليك بهذا اللحاظ، كما ورد في باب الوقف على البطون من الأخبار والإجماع، بخلاف ما نحن فيه فإن إطلاقات أدلة الوصية يظهر منها أن الموصى في حال الإيصاء ينشئ ملكية المقيدة بما بعد الموت للشخص الفلاني، فلا بد من وجوده في تلك الحال لما بينا وتقدم.
فما أفاده في جامع المقاصد بقوله: واعلم أنه قد سبق القول في الوقف جوازه على المعدوم إذا كان تابعا، كما لو وقف على أولاد فلان ومن سيولد له، فأي مانع من صحة الوصية كذلك، فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلا خمسين سنة لأولاد فلان ومن سيولد له، فلا مانع من الصحة، بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى، لأنه أضيق مجالا من الوصية (1).
ففيه: أن الفرق بين المقامين جلي، وهو أن في الوقف أتى دليل من الأخبار والإجماع على صحة الوقف على البطون وإن وجد بعضهم مآت من السنين بعد إنشاء الواقف أو بعد موته كذلك. وأما في الوصية فالإجماع على عدم صحة الوصية للمعدوم حين الوصية أو حين موت الموصى.
نعم تقدم في بعض الفروع السابقة بالنسبة إلى الموصى به أنه يجوز الوصية بالمنافع غير الموجودة حال الوصية أو حال موت الموصى، كالمثل الذي ذكره في جامع المقاصد من وصيته بثمرة بستانه خمسين سنة لأولاد فلان الموجودين أو الذين سيولدون ويوجدون، فهذا المثل بالنسبة إلى المنافع الموصى بها فلا إشكال فيها، بل ادعى الإجماع على صحتها. وأما بالنسبة إلى الموصى لهم فإن كان كلهم موجودين فلا إشكال أيضا في صحتها وإن كان كلهم معدومين فالإجماع على عدم صحتها. وأما إذا كان بعض ولده موجودين وبعض آخر لم يولد بعد، فهذا لا يخلوا من إشكال بالنسبة إلى ذلك البعض الذي لم يوجد بعد.