وهكذا بصدق المشتري - لما تعلق به هذا الحق - في الجميع، وشمول قوله عليه السلام: " فإنه أحق به بالثمن " (1)، للجميع، فلو ترامى على هذا المال المشاع العقود يكون الشفيع أحق به من كل مشتر في كل واحد من هذه العقود، ولذلك يجوز له الأخذ من كل واحد منهم كما تقدم.
هذا كله فيما إذا كان التصرف فيه بالنقل، وأما إذا كان التصرف بإحداث شئ فيه من غرس أو زرع أو عمارة أو غير ذلك، وعلى كل واحد من التقادير حيث كان تصرف المشتري في ملكه فكان تصرفه بحق ولم يكن غاصبا وظالما، فلما أحدث فيه - من عمارة أو غرس أو زرع - احترام لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه.
فيمكن أن يقال: بأن هذا من باب تزاحم الحقوق، لأن الشفيع بعد الأخذ بالشفعة وصيرورة الأرض ملكا له حق تفريغ أرضه، وصاحب الغرس مثلا أو الزرع والعمارة له حق حفظ ماله عن التلف أو عن ورود نقص وضرر عليه، فيتزاحم حق كل واحد من صاحب الأرض وصاحب الغرس مع الآخر. ومقتضى الجمع بين الحقين هو إما بقاء إشغال الأرض بإجارة لا مجانا، أو إزالة هذه الأمور لكن مع تدارك ضرر صاحبها من طرف مالك الأرض، أو اشتراء الأرض من مالكها من طرف صاحب هذه الأمور، أو اشتراء هذه الأمور من طرف مالك الأرض بالأخذ بالشفعة.
وليس إحداث هذه الأمور من طرف مالك الأرض قبل الأخذ بالشفعة الذي هو المشتري من قبيل الغصب كي يشمله قوله عليه السلام: " ليس لعرق ظالم حق " (2) بل هو تصرف المالك في ملكه بحق، فلا يسقط احترامه بالأخذ بالشفعة في الأرض. نعم ليس لصاحب هذه الأمور إبقائها مجانا وبلا عوض، لأنه إشغال مال الغير ولا يجوز إلا برضاه وطيب نفسه، فيدور الأمر بين أحد ما ذكرناه.