قال: إن الغلاة والمفوضة - لعنهم الله تعالى - ينكرون سهو النبي - صلى الله عليه وآله - ويقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة، كما أن التبليغ عليه فريضة. وهذا لا يلزمنا، وذلك إن جميع الأحوال المشتركة تقع على النبي - صلى الله عليه وآله - فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه نبيا كهو، فالحالة التي اختصت بها النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع في الصلاة، لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبهذا تثبت (1) له العبودية، وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه نفي الربوبية عنه، لأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي - صلى الله عليه وآله - كسهونا، لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي - صلى الله عليه وآله - والأئمة - صلوات الله عليهم - سلطان " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي - صلى الله عليه وآله -: إنه لم يكن في الصحابة من يقال له: " ذو اليدين "، وأنه لا أصل للرجل ولا للخبر وكذبوا، لأن الرجل معروف وهو أبو محمد عمير بن عمر المعروف بذي اليدين، وقد نقل عنه الموافق والمخالف، وقد أخرجت عنه أخبارا في كتاب في وصف قتال القاسطين بصفين، وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه - يقول: أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي - صلى الله عليه وآله -، ولو جاز أن يرد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن يرد جميع الأخبار وفي ردها
(١٩٩)