فصل:
وقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، يدل بعمومه على أن أحق الناس بالصلاة على الميت وليه، وهو أولى بها من غيره، وقوله تعالى: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين الآية.
قال جابر وغيره: إن النبي ص أتاه جبرئيل ع وأخبره بوفاة النجاشي، ثم خرج من المدينة إلى الصحراء ورفع الله الحجاب بينه وبين جنازته فصلى عليه ودعا له واستغفر له، وقال للمؤمنين: صلوا عليه، فقال المنافقون: يصلى على علج بنجران، فنزلت الآية، والصفات التي ذكرت في الآية هي صفات النجاشي، وقال مجاهد:
نزلت في كل من أسلم من اليهود والنصارى ولا مانع من هذا أيضا، لأن الآية قد تنزل على سبب وتكون عامة في كل ما تتناوله.
ويجوز أن يصلى على الجنازة بالتيمم مع وجود الماء إذا خيف فوت الصلاة عليه، وبذلك آثار عن أئمة الهدي ع، وكأنه استثناء من قوله: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، الآية، على أن هذا قد ورد في الصلاة المطلقة، والصلاة على الجنائز صلاة مقيدة، فأما التيمم فيها فلإجماع الطائفة.
وأما التكفين فإنه يدل عليه من القرآن قوله: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم، الآية تعم الأحياء والأموات لأنه تعالى لم يفصل، فدل على وجوب الكفن عمومها وأما الدفن فالدليل عليه من كتاب الله قوله: أ لم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا، فالكفات الضمائم والوعاء أي تضمهم في الحالين، فظهرها للأحياء وبطنها للأموات، وقوله تعالى: ثم أماته فأقبره، فالمقبر الآمر بالدفن والقابر الدافن، وقوله تعالى: فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، هو أول ميت كان من الناس، فلذلك لم يدر أخوه كيف يواريه وكيف يدفنه حتى بعث الله غرابا أحدهما حي والآخر ميت، فنقر في الأرض حتى جعل حفيرة ووضع الميت فيه وواراه بالتراب إلهاما من الله.