توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة.
مسألة:
" وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " قال بعض المفسرين: قوله " التي كنت عليها " ليست بصفة القبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل يريد وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها - وهي الكعبة - لأن رسول الله كان يصلى بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ثم تحول إلى الكعبة، فيقول تعالى: وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة، يعني وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس، كقوله: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة، ويجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس (قبلته، يعني أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وأن استقبالك بيت المقدس) كان أمرا عارضا لغرض، وإنما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبل وقتك هذا - وهي بيت المقدس - لنمتحن الناس، وعن ابن عباس: كان قبلته بمكة بيت المقدس، إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه.
مسألة:
" شطر المسجد الحرام " نحوه، وقرأ أبي: تلقاء المسجد الحرام، و " شطر " نصب على الظرف أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد الحرام أي في جهته وسمته لأن استقبال عين الكعبة فيه حرج عظيم على البعيد، وذكر المسجد الحرام دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين، فعلى هذا الكعبة قبلة من كان في المسجد الحرام والمسجد قبلة من كان في الحرم، والحرم قبلة من نأى من أي جانب كان، وهو شطر المسجد وتلقاؤه، وقراءة أبي " ولكل قبلة " إشارة إلى ما ذكرنا.
وقوله تعالى: " هو موليها " أي هو موليها وجهته فحذف أحد المفعولين، وقيل: هو الله أي الله موليها إياه، على أن القراءة العامة يجوز أن يراد بها ذلك أيضا ويكون المعنى ولكل منكم يا أمة محمد وجهة أي جهة تصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية، أينما تكونوا يجعل صلاتكم كأنها إلى جهة واحدة وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام.