قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا قول صحيح محقق، ثم قال شيخنا أبو جعفر بعد ذلك:
وإن كان مسيرهم أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم الإتمام إلى أن يسيروا فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير، وهذا قول غير واضح ولا مستقيم بل هو خبر أورده إيرادا لا اعتقادا ولا فرق بين المسألتين، وقد رجع في مبسوطه عن هذا القول الذي حكيناه عنه في نهايته فقال: من خرج من البلد إلى موضع بالقرب مسافة فرسخ أو فرسخين بنية أن ينتظر الرفقة هناك ونوى المقام عشرة أيام فصاعدا فإذا تكاملوا ساروا سفرا عليهم التقصير لا يجوز أن يقصروا إلا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه لأنه ما نوى بالخروج إلى هذا الموضع سفرا يجب فيه التقصير فإن لم ينو المقام عشرة أيام وإنما خرج بنية أنه متى تكاملوا ساروا قصر ما بينه وبين شهر ثم يتمم، فإن أراد بالمسألة الثانية في النهاية أنه ما نوى بالخروج إلى دون أربعة الفراسخ سفرا يجب فيه التقصير وإنما خرج بنية أنه متى تكاملوا ووجد الرفقة سافر فإنه يجب عليه الإتمام فهذا مستقيم صحيح، وإن أراد الخروج للسفر بنية السفر فلما وصل إلى دون أربعة الفراسخ توقف لينتظر الرفقة وما عزم على مقام عشرة أيام ولا بدا له عن الرجوع من السفر فليس بصحيح ولا مستقيم بل الواجب عليه عند هذه الحال التقصير مثل المسألة الأولى فليلحظ ذلك.
ويستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة ثلاثين مرة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإن ذلك جبران للصلاة. ولا بأس أن يجمع الانسان بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة في حال السفر، وكذلك لا بأس أن يجمع بينهما في الحضر إلا أنه إذا جمع بينهما لا يجعل بينهما شيئا من النوافل، وليس على المسافر شئ من نوافل النهار، فإذا سافر بعد زوال الشمس قبل أن يصلى نوافل الزوال فليقضها في السفر بالليل أو بالنهار وعليه نوافل الليل كلها حسب ما قدمناه إلا الوتيرة.
إذا أبق للإنسان عبد فخرج في طلبه فإن قصد بلدا يقصر في مثله الصلاة، وقال: إن وجدته قبله رجعت معه، لم يجز له أن يقصر لأنه لم يقصد سفرا تقصر فيه الصلاة، فإن لم يقصد بلدا لكنه نوى أن يطلبه حيث بلغ لم يكن له التقصير لأنه شاك في المسافة التي تقصر فيها الصلاة، وإن نوى قصد ذلك البلد سواء وجد العبد قبل الوصول إليه أو لم يجد