روايات البينة على المدعي واليمين على من أنكر في سائر الموارد، وروايات البينة على المنكر واليمين على المدعي في مورد الدم بتقريب أن كلمة البينة تشير إلى ما يبين الواقع في نظر العقلاء، وهذا يدل على إمضاء ما هو ثابت في مرتكز العقلاء من كونها بينة على الواقع ومثبتة له، فيتم الإطلاق المقامي لحجية البينة بحدود ما يساعد عليه الارتكاز العقلائي. إذن فالنتيجة في المقام حجية بينة المدعي أيضا، فإن بينة مدعي الدم لا شك أنها مشمولة لارتكاز الحجية عند العقلاء، غاية ما هناك أنه ثبت بالنص في باب الدم دعم إضافي لجانب المدعي، وهو قبول القسامة منه، ومحكومية المنكر بمجرد أن لا يمتلك بينة ولا يستعد للقسامة. أما الحق الأصلي الثابت للمدعي عقلائيا - وهو إثبات مدعاه بالبينة - فلم يرد ما ينفيه. وعليه فعند تعارض البينتين تكون كل واحدة منهما بذاتها حجة، فتتعارضان وتتساقطان.
وقد يقال: إن قوله: " البينة على من ادعى "، أو قوله: " البينة على من ادعي عليه " إنما هو إشارة إلى ما هي بينة في حد ذاتها على الواقع، ويقول: إن تلك البينة التي هي في حد ذاتها بينة على الواقع وكاشفة عنه تكون على المدعي، أو تكون على المدعى عليه. فهذا الكلام إنما يدل بدلالة المقام على الحجية الذاتية للبينة على الإطلاق لا الحجية القضائية. إذن فلا طريق لإثبات الحجية القضائية لبينة المدعي في باب اللوث عندما يمتلك المنكر بينة، فإن الدليل على حجيتها القضائية إن كان هو رواية بريد، فلا إطلاق لها لفرض امتلاك المنكر للبينة، وإن كان هو دلالة المقام لرواية البينة على المدعي أو البينة على المدعى عليه، فدلالة المقام لهما لا تدل على أكثر من الحجية الذاتية دون القضائية، وإن كان هو ارتكاز العقلاء القائل بالحجية القضائية لبينة المدعي في اللوث، فهذا الارتكاز مردوع عنه بما دل في باب اللوث من أن على المدعي اليمين، فإن إطلاقه يشمل فرض امتلاكه للبينة. وهذا يعني أنه حتى لو أقام بينة، فعليه اليمين. وهذا يدل على عدم حجية بينته قضائيا، خرج من