الروايات من قصة الأنصاري، فإن امتناع الأنصار عن الحلف بحجة أنهم لم يروا القتل دليل على أنهم لم يكونوا جازمين بالدعوى، والرسول (صلى الله عليه وآله) استعد لإثبات الجرم بالبينة والقسامة إلا أنه قد يقال: لعل امتناعهم عن القسم كان تورعا عن القسم على العلم غير الحسي.
والثالث - التمسك بظاهر روايات تحميل الدية على المتهمين من دون تعرض إلى فرض وجود مدع بدعوى جزمية، فإن عدم التعرض لذلك ظاهر عرفا في عدم دخله في الحكم من قبيل ما ورد - بسند تام - عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل يوجد قتيلا في القرية أو بين قريتين؟ قال: يقاس ما بينهما، فأيهما كانت أقرب ضمنت " (1) وما ورد - بسند تام - عن محمد بن قيس قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل قتل في قرية، أو قريب من قرية أن يغرم أهل تلك القرية إن لم توجد بينة على أهل تلك القرية أنهم ما قتلوه " (2).
إلا أن إثبات القصاص بمجرد النكول الذي قلنا - فيما سبق - إنه مشكل يصبح بإضافة فرض عدم مدع بالادعاء الجزمي للقتل أكثر إشكالا، فإن الروايات لم تدل على أكثر من الدية، وصحيح أن في موردها لم يكن يمكن شئ غير الدية باعتبار عدم تعين القاتل، ولكن المقصود أن الدليل لم يرد إلا في الدية، فإثبات القصاص مشكل.
هذا تمام ما أردنا بيانه في المورد المستثنى من قاعدة (أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)، وهو مورد اللوث في الدم.