عن هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا، وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له فقال: إشهد بما هو علمك. قلت: إن ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس، فقال: إحلف، إنما هو على علمك " (1). فيقال: إن مقتضى إطلاق هذا الحديث هو أن الشهادة تدور مدار العلم من دون فرق بين أن يكون العلم حسيا أو حدسيا.
والواقع: أن هذا الحديث لا يتم فيه إطلاق من هذا القبيل، وذلك لأنه وارد مورد بيان أمر آخر، وهو حل مشكلة حرمة الشهادة بغير العلم والحلف على ما لا يعلم، وقد حلها الإمام (عليه السلام) بأن لا يقصد من شهادته إلا مبلغ علمه. أما أن نفوذ شهادته هل يشمل فرض حدسية العلم أيضا أو لا؟ فهذا خارج عما هو بصدد بيانه.
ولو غضضنا النظر عن هذا الإشكال، أو وجدنا حديثا آخر لا يرد على التمسك بإطلاقه مثل هذا الإشكال، قلنا: إن نفس النكتة التي تجعلنا ندعي انصراف دليل حجية خبر الواحد اللفظي - لو تم - إلى الخبر الحسي تجعلنا أيضا ندعي انصراف دليل نفوذ الشهادة إلى الشهادة الحسية. وبتعبير أدق: إن المفهوم من دليل نفوذ الشهادة بمناسبة الارتكازات العقلائية - كما هو الحال في دليل حجية خبر الواحد - إنما هو إلغاء احتمال الكذب فقط، أو مضافا إلى التأكيد على أصالة عدم الخطأ والغفلة في الموارد التي يجري فيها هذا الأصل عقلائيا، وهي موارد الحس وما يشبه الحس. أما في موارد الحدس والاجتهاد فلا يوجد أصل عقلائي من هذا القبيل إلا في موارد الرجوع إلى أهل الخبرة، أي رجوع الجاهل إلى العالم بالتقليد.
ويؤيد عدم نفوذ الشهادة غير القائمة على أساس الحس أو القريب من الحس خبران غير تامين سندا:
الأول - المرسل المروي في الشرائع عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد سئل عن الشهادة: