ويقول: " البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا "، وهذا ظاهره أن من يدعي الوديعة ينكر الدين المفروض كون هذا رهنا له، وفي هذا الفرض يكون الأصل مع مدعي الوديعة، لأن الدين خلاف الأصل، ويده على العين ليست عرفا أمارة على صدقه في دعوى الرهن في مقابل مالك العين الذي اقتضى الأصل براءة ذمته عن الدين، أي أن أمارية هذه اليد على الدين غير عرفية، وأماريتها على الرهنية حتى مع نفي الدين بالأصل أيضا غير عقلائية.
أما في الحديث الثاني فلم يأت أي ذكر عن الدين، وإنما فرض فيه الاختلاف في الرهن والوديعة، وهذا ينسجم حتى مع افتراض كون الدين متفقا عليه في ما بينهما، وإنما الخلاف في الرهن على ذاك الدين وعدمه، فإذا فرض النزاع في عنوان الرهن والوديعة فحسب ولم يفرض أي نزاع آخر، قيل: إن الأصل مع مدعي الرهن، لأنه ذو اليد وأمين فيقبل كلامه. ولو سلم إطلاق الحديث لفرض امتداد النزاع إلى الدين قيد بالحديث الأول.
ويشهد لهذا الجمع ما ورد من حديث يفصل بين ما إذا كان النزاع في زيادة الدين فالأصل مع منكر الزيادة، وما إذا كان النزاع في الرهن مع تسليم الدين فالأصل مع مدعي الرهن، وهو ما ورد بسند تام عن الحسن بن محمد بن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا اختلفا في الرهن: فقال أحدهما: رهنته بألف، وقال الآخر: بمائة درهم، فقال: يسأل صاحب الألف البينة، فإن لم يكن بينة حلف صاحب المائة، فإن كان الرهن أقل مما رهن به أو أكثر واختلفا، فقال أحدهما: هو رهن، وقال الآخر: هو وديعة، قال: على صاحب الوديعة البينة، فإن لم يكن بينة