من كلمة المدعي في مقابل المنكر هو من يدعي شيئا جديدا على المنكر، وإلا فكلاهما مدع كما قلنا، ومعنى كونه يدعي شيئا جديدا عليه هو أنه يلزمه بأمر على خلاف ما هو ثابت لولا القضاء، فالمنكر سمي منكرا لأنه يدفع عن نفسه الشئ الجديد الذي هو على خلاف الطبع الأولي الثابت، والمدعي سمي مدعيا لأنه يلزمه بدعوى جديدة، وهذا يعني أن الصحيح من التعاريف السابقة هو تعريف المدعي بأنه هو الذي يكون قوله خلاف الأصل أو الحجة، أو تعريفه بأنه الذي لو ترك ترك على تفسير سيأتي من المحقق العراقي (رحمه الله).
أما تعريفه بأنه الذي يكون قوله خلاف الظاهر فبالإمكان تأييده بأن معنى المدعي يجب أن نأخذه من العرف كما أسلفنا، والعرف يرجع إلى ما هو الظاهر لديه، فمن يدعي خلافه يراه مدعيا.
ولكن الواقع أن الظاهر الذي ليس حجة لدى العرف لا يبني عليه العرف، ولا يفترض من يخالفه مدعيا لشئ جديد، والظاهر الذي يكون حجة لديه يفترض من يخالفه مدعيا، لا لأن كلامه خلاف الظاهر، بل لأن كلامه خلاف الحجة، والحجة عند الشرع إن تطابقت مع الحجة عند العرف اتحد المدعي لدى الشرع ولدى العرف، وإن اختلفت معها اختلف المدعي لدى الشرع عن العرف، لا بمعنى الاختلاف في تفسير معنى المدعي، بل بمعنى الاختلاف في التطبيق. فإن أراد من يفسر المدعي بمن خالف قوله الظاهر هذا المعنى فقد رجع ذلك إلى التفسير المختار.
وأما تعريف المدعي بأنه الذي لو ترك ترك، أو الذي يخلى وسكوته، فإن فسر بمعنى من بيده - عملا - رفع النزاع إلى الحاكم، ولو جلس في بيته لانتهى النزاع، فهذا واضح البطلان، إذ لا أتصور أحدا يقبل أن يقال: إن من يدعي أداء الدين منكر ومن ينكره هو المدعي، إذ لو سكت هذا المنكر - أي من ينكر أداء الدين - وجلس في بيته لانتهى النزاع عملا.