وللشافعي قولان.
ولنا: أنه فعل فعلا مأمورا به شرعا، فلا يترتب عليه عقوبة، أما لو كان متبردا أو عابثا، فلأنه فرط بتعريض الصوم للإفساد، فلزمته العقوبة للتفريط، ولو ابتلع الماء عامدا لزمته الكفارة، لأنه أفسد صومه عامدا، فكان كمن شرب، وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " إن كان لصلاة فريضة فلا قضاء عليه، وإن كان لنافلة فعليه القضاء " (1).
مسألة: وفي " الحقنة " أقوال، أحدها: إيجاب القضاء مطلقا، وهو اختيار أبي الصلاح، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وقال مالك: يفطر بالكثير ويجب به القضاء، وثانيها: يجب القضاء بالاحتقان بالمائع، دون الجامد، وهو اختيار الشيخ، وثالثها: أنه حرام، ولا يجب به قضاء ولا كفارة، وهو اختيار علم الهدى.
أما التحريم فقد أسلفنا البحث فيه، وأما وجوب القضاء والكفارة، أو أحدهما فهو منفي بالأصل السليم عن المعارض، وقد روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر " سأل عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان، فقال لا بأس " (2).
ولأن الحقنة لا تصل إلى المعدة، ولا إلى مواضع الاغتذاء، فلا يؤثر فسادا كالاكتحال، وقياس الجمهور الحقنة على ما يصل إلى الدماغ من الدواء ليس بلازم لأنا نمنع الأصل المقيس عليه والفرع، واحتجاجهم بالمنع من المبالغة في الاستنشاق للصائم، قد بينا ضعفه فيما سلف: على أنا لو سلمنا النهي عن الاحتقان لم يلزم من النهي فساد الصوم، لاحتمال أن يكون حراما، لا لكون الصوم يفسد به، بل لحكمة شرعية لا يلزمنا إبداؤها كما قلناه في الارتماس.