فعند الشافعي في أحد قولية اعتبارها بمعنى أنه إذا فرق بين أعضاء الوضوء إلى أن تجف بطل وضوؤه وعند أبي حنيفة عدم اعتبارها وعند مالك التفصيل بين ما إذا فرق بين الأعضاء لا لعذر فيبطل وبين ما إذا فرق لعذر فلا يبطل ولم يعتبر الجفاف في بطلانه.
ثم إن أقوال الخاصة في اعتبار ماهية الموالاة مختلفة فبعضهم عرفها بأنها عدم الجفاف وبعضهم قد عرفها بأنها عذم الفصل الطويل بين الغسلات والمسحات ولم يعتبر الجفاف وبعضهم قد اعتبر في تحققها كلا الأمرين والقول الرابع وجوب الموالاة نفسيا وحرمة التأخير وإن لم يتحقق الجفاف وبطلان الوضوء بتحقق الجفاف ولا بد أولا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتى ينكشف الحال فنقول - وبالله الاستعانة -:
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض (1) قوله: فإن الوضوء لا يبعض - الظاهر أن المراد منه أن الوضوء ليس كالغسل في امكان اتيان أجزائه وأبعاضه متفرقة بل لا بد من اتيان أبعاضه متوالية فلا يجوز أن يفرق بين أجزائه فيستفاد من التعليل عدم جواز الفصل بين أجزائه سواء جف السابق أم لا لأن العلة تخصص وتعمم ومصداق الفصل في الرواية وإن كان جفاف الوضوء أي ماء الوضوء إلا أن ذكر العلة بعده يشمل ما إذا لم يجف أيضا ولكن تحقق التبعيض في الوضوء إلا أن يقال: إن التبعيض وإن كان يشمل ما ذكر في بادئ النظر لكن ذكر الجفاف قبله بمنزلة ذكر حد التبعيض أي حد التبعيض الموجب للبطلان هو جفاف العضو السابق فح لا تشمل العلة الفصل الطويل الذي لا يوجب الجفاف.
وروى معاوية بن عمار في الصحيح قال قلت لأبي عيد الله عليه السلام ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي قال: أعد (2) فيستفاد من هذه الرواية أيضا أن المناط في الموالاة عدم جفاف العضو السابق إلا أن يقال: أن اعتبار عدم جفاف العضو السابق في تحقق الموالاة لا ينفي تحققها بعدم الفصل الطويل أيضا فتحصل أن المستفاد من الروايتين في ماهية الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق دون الفصل الطويل ماحيا لصورة الوضوء بطل حينئذ وإن لم يتحقق الجفاف.