الثالث من واجبات الوضوء غسل اليدين كما دلت عليه الآية المتقدمة ويجب البدأة من المرفق ولا يجوز العكس على المشهور بل ادعى عليه الاجماع واستدل عليه بالوضوءات البيانية التي حكى الإمام عليه السلام فيها وضوءات رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه بها بعد ما غسل وجهه غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء (1) الخبر.
فقوله: لا يرد الماء إلى المرفق يمكن أن يكون من كلام الإمام عليه السلام حاكيا وضوء النبي صلى الله عليه وآله ويمكن أن يكون من كلام الراوي كما هو الظاهر أي لا يرد الإمام الماء إلى المرفق فإن كان من كلام الإمام (عليه السلام) يستشعر منه عدم جواز رد الماء إلى المرفق فيكون كلامه تعريضا لفعل العامة حيث خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وأما إذا كان من كلام الرواي فلا يدل على عدم جواز الرد إلى المرفق لأنه حكاية عن فعل الإمام (عليه السلام) بأنه لا يرد الماء إلى المرفق وعدم رده إلى المرفق أعم من عدم جوازه لجواز أن يكون عدم رده للماء إلى المرفق لكون الغسل من الأعلى من أفضل الأفراد فلا يدل على المنع من الرد وفي رواية أخرى من الوضوءات البيانية أنه عليه السلام بعد أن غسل وجهه غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه الحديث (1).
فإن هذا الخبر صريح في أنه (عليه السلام) غسل يديه من المرفق إلى أطراف الأصابع وهو حاك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن هذا الخبر أضعف دلالة من الخبر السابق حيث إن الغسل من المرفق لا يدل على أكثر من الجواز وقد جوز العامة عامتهم على ما حكي عنهم بأن الغسل من المرفق جائز أيضا كجواز النكس ولم ينف ع خلافه فلا يدل على عدم جواز النكس فيمكن أن يكون غسله من المرفق من جهة كونه أفضل ولكن يمكن أن يقال: إن الآية وإن كانت مطلقة ومقتضى الاطلاق جواز الغسل من كل من الجانبين إلا أنا نعلم من