عليه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء (1) فهذه القرائن الكثيرة كادت توجب القطع بأن الأوامر الواردة في هذه الأخبار ليست على ظواهرها من إفادة الوجوب بل هي مقدمة لحصول النظافة وعلى فرض القول بنجاسة البئر في الجملة فهل يمكن القول بنجاستها مطلقا حتى ما إذا كانت بمقدار الكر أو لا بد من قصر الحكم على خصوص القليل منها؟ ظاهر بعض الأخبار الآمرة بالنزح انفعال ماء البئر بملاقاة النجس ولو كان كرا.
مثل رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة قال: فقال: كل ذلك يقول: سبع دلاء قال: حتى بلغت الحمار والجمل فقال: كر من ماء (2) فإنها تدل على أن الماء الموجود في البئر يكون كرا أو أكثر حتى يمكن أن ينزح منها بمقدار الكر فتدل على تنجس ماء البئر بوقوع النجس وإن كان ومثل رواية التراوح المتقدمة (3) فإنها أيضا تدل على تنجس البئر وإن كانت كرا لفرض كون الماء بمقدار لا يمكن نزح جميعه إلا بالتراوح والنزح إلى الليل وهذا لا يفرض إلا في بئر مشتملة على أكرار في الماء دون كر واحد فضلا عن أن يكون دون الكر إلا إذا اشتملت على مادة قوية فح يقع التعارض بيت الأخبار الدالة على عدم انفعال الماء إذا كان كرا الشاملة باطلاقها للبئر أيضا وبين هذين الخبرين لكن التعارض إنما يقع بناء على القول بانفعال ماء البئر.
وأما على القول الآخر الذي اخترناه من أن الأمر بالنزح في هذه الروايات للتنزه والاستحباب فلا تعارض ويمكن أن يجاب - بناء على القول بالانفعال - بعدم صلاحية هذين الخبرين لمعارضة تلك الأخبار فإن رواية عمرو بن سعيد مجهولة فإن عمرو بن سعيد المذكور من أصحاب الباقر عليه السلام ولم يصفوه بمدح ولا قدح وليس هذا عمرو بن سعيد بن هلال المدائني الثقة كما توهم فإن ذلك من أصحاب الرضا عليه السلام والرواية الثانية أيضا ضعيفة السند متروكة الظاهر متهافتة المتن وليس لنا دليل معتبر يدل على انفعال ماء البئر إذا كان كرا غير هذين الخبرين وقد عرفت حالهما فتبقى أدلة عدم انفعال الكر بلا معارض