لاحظ غلبة الملاقاة عند عدم هذا المقدار من التباعد فجعل هذا المقدار من التباعد طريقا إلى احراز عدم تحقق الملاقاة.
ويحتمل أن يكون هذا التحديد ارشادا إلى عدم تحقق الملاقاة عند هذا المقدار من الفصل فعلى كل من الاحتمالين لم يعلم أن الشارع جعل هذا التحديد طريقا أو ارشادا إلى عدم انفعال ماء البئر بالملاقاة أو بالتغير وبعبارة أخرى أن الشارع جعل هذا النحو طريقا إلى عدم تنجس ماء البئر وأما إن المنجس هل هو نفس الملاقاة أو مع التغير فلم يعلم من هذا التحديد فيمكن أن يكون قد لاحظ أن أقل من هذا التحديد ملازم غالبا عند استقرار النجس في محله لتغير الماء كما يظهر من آخر الحديث فجعل هذا التحديد طريقا وعلى فرض الاطلاق في الرواية فلا بد من تقييدها برواية الجعفريات مسندا عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم السلام أن رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين إن لنا بئرا وهو متوضأنا وربما عجنا العجين من مائها وإن بئر الغائط منها أربعة أذرع ولا نزال نجد رائحة نكرهها من البول والغائط فقال علي عليه السلام: طمها أو باعد بين الكنيف عنها إذا وجدت ريح العذرة منها (1).
فإن الظاهر أن ماء البئر تغير ريحه بملاقاة الغائط للبئر وسرايته إليها لا بالمجاورة للغائط فإن المجاورة مع النجس وإن غيرت ريح الماء ليست منجسة وأظهر من هذه الرواية في كونها مقيدة باطلاق الرواية المتقدمة إن كان لها اطلاق صحيحة محمد بن القاسم عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها قال ليس يكره من قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء (2) فجوز (عليه السلام) الوضوء والغسل من الماء ما لم يتغير ويظهر من هذه الرواية مجاورة الكنيف للبئر بأقل من التحديد المذكور في الرواية السابقة في ذاتها ليست منجسة ولا مانعة من الوضوء والغسل وإنما المانع هو ما إذا تغير الماء بالنجاسة فيستكشف من هذه الرواية أن المانع من الوضوء في الرواية السابقة هو تغير الماء بالملاقاة والتحديد المذكور فيها طريق غالبي إلى تحقق التغير بأقل من التحديد المذكور لا أن التحديد تعبدي فبفقدانه يتحقق التنجيس وإن شك في الملاقاة كما لا يخفى.