بمعنى النجاسة فلا يتحقق مع طهارة البدن مع أن الرواية لها اطلاق يشمل صورة طهارة البدن أيضا فلا بد أن يكون المراد بالافساد فيها هو المعنى الذي ذكرناه أي المعنى الثاني من المعنيين وبهذا ظهر الفرق بين الافساد هنا والافساد في قوله: لا يفسده شئ.
فإن الافساد هنا ليس بمعنى النجاسة لما ذكرناه بخلاف الافساد هناك فإنه لا بد أن يكون بمعنى النجاسة لأن بعد قوله: لا يفسده شئ قوله: إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فإن تغير الريح أو الطعم بغير النجاسة لا يصير سببا لتنجس الماء فيعلم أن المراد بالافساد الافساد من حيث النجاسة.
ومما استدل به على النجاسة صحيحة الفضلاء أعني زرارة ومحمد بن مسلم وأبا بصير قالوا: قلنا له: بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أينجسها قال: فقال إن كانت البئر في أعلى الوادي والوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك الشئ وإن كان أقل من ذلك ينجسها وإن كانت البئر في أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها وما كان أقل من ذلك فلا يتوضأ منه.
قال زرارة: فقلت له: فإن كان مجرى البول يلزقها وكان لا يثبت على الأرض فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس وإن استقر منه قليل فإنه لا يثقب الأرض ولا قعر له حتى يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس فيتوضأ منه إنما ذلك إذا استنقع كله (1).
ويمكن أن يقال: إن هذه الرواية أظهر الروايات في دلالتها على نجاسة ماء البئر لأن التأويل الذي ذكرناه في قوله (عليه السلام): فإن ذلك يطهرها غير متمش هنا فإن التنجيس كالصريح في المعنى المعروف. ولكن الجواب عن هذه الرواية بأن الظاهر أن التحديد بعدد معين في تباعد النجس عن البئر ليس من باب تشخيص الموضوع بعلم الإمامة فإن بيان موضوع الأحكام.
وتشخيصه خصوصا إذا كان من باب الاخبار بالغيب ليس من شأن الإمام عليه السلام بل شأنه بيان الأحكام وتشخيص موضوعاتها موكول إلى نظر العرف إلا أن يكون الموضوع من الموضوعات الشرعية فإن بيانه موكول حينئذ إلى الشارع وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فح يحتمل أن يكون هذا التحديد طريقا إلى عدم ملاقاة ما في الكنيف للبئر بأن يكون الشارع