ومما استدل على نجاسة ماء البئر بوقوع النجس فيها الأخبار الآمرة (1) بالنزح بوقوع كل واحدة من النجاسات فيها وهي كثيرة جدا تبلغ أربعين حديثا ولذا ادعي تواترها وتلك الروايات فيها الصحيح والحسن والموثق ولا يجوز طرح جميعها للعلم بصدور كثير منها والجواب عن تلك الروايات أن الأمر فيها لا يمكن حمله على الواجب التعبدي والقول بعدم تنجس ماء البئر بملاقاته للنجاسة كما عن العلامة في المنتهى فإنه خلاف ظاهر الروايات فإن العرف يفهمون من الأمر بالنزح فيها أنه مقدمة للغير أي لحصول الطهارة للبئر أو لحصول النظافة لها ورفع القذارة الظاهرية عنها.
وليس النزح مطلوبا بنفسه بل هو مطلوب لغيره فحينئذ هو إما مقدمة لجواز الوضوء أو الغسل منه شرعا وشرط له وإما مقدمة لحصول النظافة ولكن الظاهر هو الثاني للقرائن الخارجية والداخلية الدالة على ذلك دون حصول الطهارة أما القرائن الخارجية فهي أخبار الطهارة المتقدمة وهي كثيرة أيضا وأخبار النزح وإن كانت ظاهرة في حصول النجاسة إلا أن أخبار الطهارة صريحة في الطهارة فلا بد من حمل الظاهر على النص.
وأما القرائن الداخلية فهي القرائن الموجودة في نفس أخبار النزح مثل الحكم بصحة الوضوء من البئر وعدم الأمر بغسل الثياب إذا توضأ قبل النزح ثم تبين له أن النجس كان واقعا فيها مع الأمر بالنزح في رواية أبي أسامة المتقدمة ومثل التعارض الواقع بين نفس تلك الأخبار في مقدرات بعض النجاسات مثل الفأرة فإن بعض الأخبار يدل على وجوب نزح خمس دلاء (2) وبعضها على وجوب سبع دلاء (3) ومثل هذا التعارض في مقدرات بعض النجاسات كثير (راجع الباب 10 من أبواب المياه من جامع أحاديث الشيعة.) ومثل اهمال الدلاء أو توصيفها باليسيرة في بعض أخبار النزح راجع الباب المذكور فإنها تدل أيضا على عدم الاهتمام بأمر النزح ومن القرائن الداخلية في تلك الأخبار أنه أمر بالنزح في بعضها لموت ما ليس له دم سائل كرواية منهال قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العقرب يخرج من البئر ميتة قال: استق منها عشر دلاء (4) وقارن في بعض تلك الأخبار بالنزح بين ذي النفس وغيره مثل صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله