لهذا كثيرا ما تتخلف الإرادة عن المراد نعم قد يمكن أن يقهر بعض النفوس القوية قوى الفاعل وآلاته وسخرها تحت إرادته بحيث تسلب الإرادة والاختيار والفاعلية عنه ويصير متحركا وفاعلا بإرادته و تكون قوى الفاعل كالآلة للنفس المسخرة إياه، وفي مثله لا يكون الفعل صادرا عن المسخر بالفتح بل عن المسخر القاهر، وهو خارج عن البحث الجهة الثانية أن الفعل الصادر من المكره باكراه مكره، تارة لا يخرج بواسطة الاكراه عن الحرمة الفعلية، كالاكراه علي القتل، فإنه محرم فعلى على المكره بالفتح ولو أوعده على القتل، وأخرى يخرج عن الحرمة الفعلية بالاكراه، ولولاه يكون محرما فعليا وثالثة يكون الفعل قبل تحقق الاكراه خارجا عن الحرمة الفعلية كما لو اضطر إليه ولم يفعله فأكره عليه.
لا اشكال في حرمة الاكراه في الصورة الأولى، للقبح عقلا في تحريك الغير على معصية المولى فضلا عن اكراهه عليها، مع أن النص والفتوى متوافقان عليه، كما أنه لا اشكال في عدم الحرمة من حيث الاكراه على الفعل في الأخيرة، ضرورة أنه مع الضرورة صار مباحا ومرخصا فيه بل قد يكون الأمر برفع الاضطرار به أو الاكراه عليه: واجبا كما لو ترك المضطر المشرف على الموت أكل الميتة أو مال الغير.
نعم فيما يكون الحكم على نحو الترخيص لا يجوز للغير اكراهه عليه لكونه ظلما إنما الكلام في الصورة الثانية، أي فيما صار الاكراه موجبا لرفع الحرمة عن المباشر (والتحقيق) أن العناوين مختلفة، فقد يكون تبديل العنوان الذي يتبدل به الحكم من قبيل عنوان عرضي مقابل للآخر كالمسافر والحاضر: فتكون لكل عنوان مصلحة خاصة به مستتبعة لحكم، فلا اشكال في مثله في جواز تبديل أحدهما بالآخر للفاعل ولا يحرم من هذه الجهة على المكره وإن حرم عليه الظلم، فلو أكره غيره على السفر لا يعاقب على إلزامه بترك الصلاة التامة، فإنها في السفر محرمة لا مصلحة فيها، ومن قبيل تبديل عنوان بعنوان آخر في عرضه، وقد لا يكون كذلك بأن يكون العنوان المتعلق للحكم مبغوضا بنحو الاطلاق وإنما أجاز