تعالى قال أصحاب موسى انا لمدركون وقولهم أدرك الغلام وأدركت الجارية إذا بلغا وأدركت الثمرة كلها حقائق لغوية لكنها مجازات حكمية سيما على القول باتحاد العاقل والمعقول.
ومنها الشعور وهو ادراك بغير استثبات وهو أول مراتب وصول العلم إلى القوة العاقلة وكأنه ادراك متزلزل ولهذا لا يقال في حق الله انه يشعر بكذا.
ومنها التصور إذا حصل وقوف القوة العاقلة على المعنى وادراكه بتمامه فذلك هو التصور ولفظ التصور مشتق من الصورة وهي عند العامة من الناس انها موضوعه للماهية الجسمانية الحاصلة للجسم المشكل وعند الحكماء موضوعه لعده معان لكنها مشتركة في معنى واحد هو ما به يصير الشئ بالفعل هو ذلك الامر و كذلك الصور العلمية للأشياء فإنها هي بعينها حقائقها وماهياتها كما عرفت.
ومنها الحفظ فإذا حصلت الصور في العقل وتأكدت واستحكمت وصارت بحيث لو زالت لتمكنت القوة العاقلة من استرجاعها واستعوادها سميت تلك الحالة حفظا واعلم أن نسبه الحفظ إلى الادراك كنسبة الفعل إلى القبول فمبدأ الحفظ يغاير مبدأ القبول مغايرة الذاتين أو مغائرة الدرجتين لذات واحده والثاني أولى فان مبادئ آثار النفس وصفاتها ترجع إلى حقيقة واحده.
وقيل لما كان الحفظ مشعرا بالتأكد بعد الضعف لا جرم لا يسمى علم واجب الوجود تعالى حفظا ولأنه انما يحتاج إلى الحفظ فيما يجوز زواله ولما كان ذلك في علم الله تعالى محالا لا جرم لا يسمى علمه حفظا.
أقول هذا القول لا يخلو عن تعسف اما ان علمه تعالى لا يسمى بالحفظ فغير مسلم والمستند قوله تعالى ولا يؤوده حفظهما وهو السميع العليم وقوله انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وقوله انه حفيظ عليم.
لا يقال ليس الكلام في أن اطلاق الحفظ عليه لم يمكن بل في أن اطلاق الحفظ على علمه هل وقع أم لا فلعله يعلم بصفة أو قوة ويحفظها بصفة أو قوة أخرى لأنا نقول علمه تعالى بعينه قدرته وسيأتي ان العالم كله صوره علمه التام.