الإبل أو الغنم أو عبد الله بن عمر أو أم المؤمنين أبعد نظرا من رسول الله، وأدرك لعواقب الأمور منه، وهو صفوة الجنس البشري؟
وهل يعقل أن يكون ابن عمر وأم المؤمنين أكثر رأفة ورحمة من النبي بأمته؟
ثم إن فكرة موت النبي دون أن يبين لأمته من يخلفه من بعده، أو يبين على الأقل الطريقة لتعيين خليفته من بعده، فكرة تتعارض تماما مع كمال الدين وتمام النعمة، وتتعارض مع العقل، ومع طبيعة الدين الإسلامي، ومع قدرة المجتمع الإسلامي الذي لم يمض على تكوينه أكثر من عشر سنوات، وهي فكرة ليست عملية وليست معقولة.
ثم إن الفكرة منافية تماما لما تعارف عليه البشر طوال التاريخ، فرئيس الدولة هو مركز التدبير والتخطيط في الأمة، وهو رمز وحدتها، فإذا اختفى مركز التدبير والتخطيط، ولم يتوفر المركز البديل فورا، فإن عقد الأمة سينفرط، وسيركب كل واحد رأسه، وتسير كل جماعة مع هواها.
وقد ترفع الشارع الوضعي عن السقوط بمثل هذا الفخ، فلا يوجد في الدساتير المعاصرة، ولا حتى في الأنظمة السياسية البائدة، ما يؤيد فكرة أن يموت الرئيس دون بيان شخص من يخلفه، حتى أن التجمعات القبلية أو الأسرية تستهجن مثل هذا العمل وتستغربه، ولها أعراف تنظمه، بحيث تكون النقلة طبيعية بين شيخ القبيلة السابق واللاحق.
فدستور الدولة أو رئيسها عادة هو الذي يعين سلفا الشخص الذي يتولى الرئاسة في حالة خلو منصب الرئيس لأي سبب، أو عند اللزوم يصف هذا الشخص، سواء أكان شخصا طبيعيا كولي عهده، أو شخصا اعتباريا كمجلس أو هيئة تتكون من عدة أشخاص، لتقوم بإدارة دفة الدولة وتصريف أمورها ريثما ينسب أو يعين رئيس جديد.
تلك حقيقة لا يملك عاقل أن يجادل بها، لأن البديل الآخر هو الشر، وتعريض وحدة الأمة للخطر، ووضع مستقبل الدولة في مهب الريح.
والأهم من ذلك أن المنظومة الحقوقية الإلهية منظومة سماوية، وقد بينت كل شئ، أجمله القرآن أو فصله وبينه الرسول وطبقه، وخلو الدين من هذا الأمر الرئيسي والخطير