لهذا القرآن، وبالتالي لما حدث ذلك الفراغ الرهيب الذي أفسح المجال للعمل بالرأي مع وجود النص، وأغرق المسلمين في بحار من الظن والتخمين، ولأمكن توصيل حديث رسول لفظا ومعنى لكل أبناء الجنس البشري!!
ولكن كيف تسمح قريش بكتابة أحاديث رسول الله بعد وفاته، وهي التي كانت تعارض كتابة تلك الأحاديث حالة حياته (صلى الله عليه وآله وسلم). راجع سنن الدارمي مجلد 1 صفحة 125 باب من رخص في الكتابة من المقدمة، وراجع سنن أبي داود مجلد 2 صفحة 126 باب كتابة العلم، وراجع مسند أحمد مجلد 2 صفحة 62 و 207 و 216، وراجع مستدرك الحاكم مجلد 1 صفحة 105 - 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر مجلد 1 صفحة 85. تجد أن قريشا حال حياة النبي كانت تحرض على عدم كتابة أحاديث رسول الله، بل وتمنعها بدعوى أنه بشر يتكلم في الرضا والغضب، وتريد قريش أن تتأكد أن كلام الرسول مناسب أو غير مناسب، وهل صدر في الرضا أم في الغضب!
ونتيجة قرار الحظر الذي فرضته السلطة، والذي استمر 95 عاما ضاع حديث رسول الله تحت الأنقاض، وبعد 95 عاما بدأت السلطة تبحث عن حديث الرسول بين الأنقاض، فذهب الناس في ذلك طرائق قددا!
وبعد ذلك قل أن تجد حديثا واحدا لرسول الله مرويا بلفظه ومعناه، وقل أن تجد حديثا دون أن تجد نقيضا له.
وليس هذا فحسب بل إن السلطة طاردت الذين كتبوا بخط أيديهم وبإملاء رسول الله، وشككت بهم ونفرت الناس منهم، واتهمتهم بالكذب، وأمرت بلعنهم على المنابر، وهدمت دور الذين يحبونهم، وأسقطت أسماءهم من ديوان العطاء! كما ذكر ابن أبي الحديد نقلا عن المدائني في كتابه الأحداث، وكما وثقنا سابقا.
وهكذا بدلت السلطة نعمة الله بالرأي، فجرت هذه الأمة إلى مزالق الدمار تحت شعار (حسبنا كتاب الله)